عقد الاتحاد الأفريقي دورته الثانية والثلاثين بأديس أبابا في الثامن من فبراير2019، ونقل موقع رئاسة الاتحاد من رئيس رواندا «بول كاجامي» إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ووسط سعادة المصريين بهذا الحدث الذي بدا أنه يعيد مصر سياسياً إلى أفريقيا، فإن بقية الأفارقة من جانبهم ينتظرون ماذا تضيف إليهم الرئاسة الجديدة، ذلك أن الرئيس«كاجامي» ظل لمدة عام رغم شبابه وحماسه، يعاني من تصريحات الرئيس الأميركي ترامب «المهينة لأفريقيا» و«دهشته» المدهشة، من وجود كل هؤلاء المهاجرين (ويبدو السود عموماً) في قارته التي يريدها بيضاء وقوية وحدها أمام الناظرين، حتى جيرانه في المكسيك، أو حلفائه الأوروبيين لم يشأ أن يكون «لطيفاً» معهم.
من هنا ظلت أفريقيا خائفة من نتائج هجر الأميركيين لهم، وتدهور المساعدات المنشودة دائماً، وتخفيف أقساط الديون، أو معالجة شروط تسديدها...الخ
يلقي هذا على الرئاسة الجديدة، عبء تخليصها من القلق بمشاركات حقيقية في أعباء التنمية عن طريق اتصالات قوية بعالم مفتوح الشهية على القارة، ولا يفيد هنا مبادئ الاعتماد على الذات، أو تنمية للمنتج المحلى والصناعة المحلية، التي يتمنى أي أفريقي إنجازها ليستطيعوا مواجهة فقر الزراعة ومشاكلها في السوق العالمي.
البيانات الصادرة عن القمة الأخيرة طموحة بشكل ملفت، بل ومستقبلية بشكل واضح أيضاً. وهذا يسعد القراء لها بأكثر ما تبتسم البيروقراطيات الحاكمة التي تساهلت مع كتلة الفساد في القارة، حول الودائع الخارجية، وصفقات الاستثمار وشروط الديون، وبذخ البرجوازية المحلية غير المنضبط، ولا يحتاج ذلك إلى بيان إزاء تخطيطات فشلت من قبل حول خطة «أبوجا»، واستهداف 2020، ثم 2063، دون إنجاز ينم عن نوايا حسنة، إلا إذا صدقت إعلاناتهم الأخيرة.
وقد ظهرت بعض النوايا الحسنة بالفعل فيما ظهر من قرارات ومناقشات حول الرغبة في حل مشاكل الهجرة، ومصادرة مصادرها في ليبيا وغيرها، فضلاً عن الرغبة في صعوبات الموقف المعقد في ليبيا نفسها. اللافت للنظر أيضاً هو استمرار القلق من ظاهرة الإرهاب، لكن لم أقرأ كلاماً ملفتاً عن مصادر تمويله حتى وهو يكاد يصفي نفسه، رغم رغبة من الدول «المصدرة» له في استمرار المساعدات السخية للإرهابيين ثم رفض استقبالهم، ويذكر هنا على سبيل المثال الموقف القطري والفرنسي والإنجليزي في هذا الشأن.
قد يكون الإعلان الذي لم يلفت الكثيرين عن قرار الانعقاد للقمة سنوياً بدلاً من كل ستة أشهر ولهذا قدر من الأهمية لتوفير الاتفاق من جهة، وتركيز الأمانة العامة على تنشيط اللجان الفرعية التي كثرت مسمياتها في المنظمة، على رأسها التجمعات الاقتصادية الإقليمية التي ستعمل رئاسة المؤتمر على تنظيم اجتماعاتها بدءاً من تلك المقررة في النيجر قريباً، وهذه اللقاءات هي التي سيستعرض فيها البعض قوتهم (جنوب أفريقيا ونيجيريا مثلًا) وتختبر مصر ودول شرق أفريقيا خاصة مدى التقدم المتوقع لمنظمة لم تنجز كثيراً وهي«كوميسا»، فضلاً عن غياب أي نشاط مشترك ذي قيمة بين دول الشمال الأفريقي، ورئاسة المؤتمر لا يتوافر أمامها فرص لجمع شملها، وبينها اضطرابات ليبيا، وتوترات تونس، وهشاشة الجزائر، وعناد المغرب.
كل هذه التساؤلات لم تمنع المجتمعين من معالجة قضايا مهمة حول الصحة والتعليم والثقافة، وبعضها يلفت النظر بالفعل حين يعتني بقضية المرأة بأشكال مختلفة بل وأيضاً بنهوض السينما.
لعل الآمال في الجديد قد شغلت الكثيرين عن كوارث قديمة ومستمرة مما يبدو فيما يشبه انهيار الدول في الصومال أو الكونغو وأفريقيا الوسطى، بما يؤهلها للإشارات القادمة من أميركا اللاتينية حول فنزويلا وغيرها التي تمهد مشاكل تقليدية لتدخلات دولية وعسكرية مباشرة تبدو قريبة ممهدة لحروب دولية مثل ما حدث مع سوريا أو اليمن. هذا بينما شاع شعار سبق أن أعلن الاتحاد الأفريقي عنه وهو وعده بـ«سكوت المدافع عام 2020»..!، فهل تفلح القارة في فترة عام أن تقضي على أصوات المدافع أو الاستعداد لها هنا وهنالك. قد ينجح هذا الأمل لو نستطيع تصور الكتلة العربية، وقد أسكتت المدافع، لتطلق خططاً للتعاون مع الدول الأفريقية لفترة تفاؤل يسميها الأفارقة 2020/ 2063، وهذا‏? ?يكفل? ?لجيل? ?قادم? ?قدراً? ?من? ?الراحة? ?للتقدم? ?بنمط? ?جديد? ?للحياة? ?الهادئة?