أحرزت الولايات المتحدة وحركة «طالبان» تقدماً كبيراً في محادثات السلام في يناير الماضي بعد التوصل إلى تفاهمات أساسية بشأن سحب القوات الأميركية في مقابل التزامات من قبل الحركة بمنع تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للإرهابيين العابرين للحدود. وقد تأخر الاتفاق بين واشنطن والحركة طويلاً، وهو السبيل للخروج من الحرب من دون تحقيق انتصار. والخوف من أن يشنّ الإرهابيون الموجودون في أفغانستان هجوماً ضد الولايات المتحدة كان سبباً رئيسياً في إبقاء القوات الأميركية على الأراضي الأفغانية وإقصاء «طالبان» من السلطة، لكن ذلك الخوف مصدره التصورات وليس الواقع!
وقد تمت المبالغة في التهديد الإرهابي العابر للحدود من أفغانستان، فعلى مدار سنوات، أصابتني بالذهول مزاعم مسؤولين أميركيين وأفغان بأن 20 منظمة إرهابية تعمل في أفغانستان، بل إن الرئيس الأفغاني «أشرف غني» صوّر الدولة على أنها «خط جبهة» في القتال العالمي ضد الإرهاب. ومثل هذه التصريحات تجعل الصراع الأفغاني يبدو فوضوياً بدرجة مخيفة.
والواقع أن الحرب الأفغانية صراع بين طرفين، وهو أمر نادر تماماً في المشهد الممزق للحروب المعاصرة. فالصراع في أفغانستان أبسط من الحروب متعددة الأطراف في سوريا والعراق وليبيا؛ ذلك أن جميع المعارك في أفغانستان تقاتل فيها «طالبان» القوات الحكومية، وهو ما يجعل من «طالبان» حركة تمرد عادية.
وقد نمت الجماعات الإرهابية الأجنبية في أفغانستان وتحوّلت ثم تلاشت خلال العقدين الماضيين. وقد اضمحل تنظيم «القاعدة» من قوة ضاربة في جنوب وشرق أفغانستان إلى قوة هامشية. ويرجع ذلك جزئياً إلى الحملة الأميركية الشرسة ضده، وبسبب تحول انتباه «القاعدة» إلى الشرق الأوسط. ونتج تراجع التنظيمات المسلحة الأخرى في أفغانستان عن الجهود المحسوبة من قبل «طالبان» الرامية إلى تأسيس ما يشبه احتكاراً لعمليات التمرد في الدولة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال إعلان الحركة وقفاً لإطلاق النار مدته ثلاثة أيام في يونيو الماضي. والتزمت جميع الجماعات المسلحة بوقف إطلاق النار عدا «تنظيم داعش في إقليم خراسان». وقد نشأ «داعش في خراسان» كرد فعل على عمليات تطهير أجرتها طالبان للجماعات الإرهابية الخارجية وقادتها المتعصبين.
وعندما ظهر «داعش» في شرق أفغانستان، كانت حركة «طالبان» هي أول من هبّ لمواجهته، وواصلت، إلى جانب الولايات المتحدة وقوات الجيش الأفغاني، الهجوم ضده، لتتم محاصرته في عدد محدود من المناطق الجبلية النائية شرق البلاد.
ويشكك منتقدو المفاوضات الأميركية مع «طالبان» في تطمينات الحركة بعدم السماح لأي جماعة إرهابية بمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها من الأراضي الأفغانية.
بيد أن «طالبان»، مثل أي جماعة أو دولة، من المتوقع أن تعمل لمصالحها الخاصة، لذا، بدلاً من محاولة تقييم إمكانية الثقة فيها، فإن السؤالين الأكثر أهمية هما: هل لدى طالبان أسباب تدعوها لإقصاء الجماعات الإرهابية الأخرى من أفغانستان؟ وهل لديها القدرة على القيام بذلك؟ وقد تابعت تطور علاقات «طالبان» مع الجماعات الإرهابية العابرة للحدود. وتُظهر المواجهة الشرسة من «طالبان» لفرع «داعش في أفغانستان» رغبتها وقدرتها على مواجهة ذلك التنظيم الإرهابي الذي تعتبره منافساً لها.
وطالبان حركة قومية وتقليدية ليست لديها طموحات عابرة للحدود، وهذه الملامح في الأيديولوجية الطالبانية تعززت خلال السنوات الأربع الماضية منذ ظهور «داعش». وأقدمت الحركة على تطهير القيادات أصحاب الأيديولوجيات التي لا تتسق مع أيديولوجيتها في الأعوام القليلة الماضية.
وبالنظر إلى أن «طالبان» توصلت إلى توافقات تكتيكية مع تنظيم «القاعدة» في الماضي، فالسؤال المهم الآن، هل ستستضيف طالبان مرة أخرى «القاعدة» أو ستفشل في منع إعادة ظهوره بعد الانسحاب الأميركي؟
وبعد مئات المحادثات مع رموز «طالبانية»، توصلت إلى أن كل من البراجماتيين داخل «طالبان» أصبحوا قلقين من تنظيم «القاعدة» وأيديولوجيته. وقد كلّف إيواء منظمات إرهابية عابرة للقارات «طالبان» حكومتها وأجج حرباً دامية. ويرى الآن كثير من أعضاء الحركة تنظيم القاعدة باعتباره تهديداً لقضيتهم. ولا يكاد يكون هناك تعاطف في المناقشات الداخلية لطالبان تجاه أي جماعة متطرفة عابرة للحدود، وهي قطيعة ملحوظة مع موقف الحركة السابق قبل عقد مضى. وعليه، فإن «طالبان» التي قطعت التزامات بمحاربة الإرهاب من أجل الانضمام إلى الحكومة الأفغانية يمكن أن تكون عقبة أمام شنّ الهجمات الإرهابية في الغرب أكثر فاعلية من إبقاء القوات الأميركية في أفغانستان وخوض معارك في حرب لا تنتهي.
برهان عثمان
محلل متخصص في الشؤون الأفغانية لدى «مجموعة الأزمات الدولية»
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/02/07/opinion/afghan-peace-talks-taliban.html