يعتبر توفير الأمن الغذائي لقرابة عشرة مليارات شخص سيقطنون الكرة الأرضية بحلول 2050 من التحديات الرئيسة في القرن الحادي والعشرين. وفي ضوء هذه الحقيقة، ربما يعتقد المرء أن المجتمع الدولي سيتمكن على الأقل من الاتفاق على تحديد المشكلة، لكن لسوء الحظ، قد يكون المرء مخطئاً!
وفي حين ينصب تركيز جزء من عمل مؤسسات الأبحاث الزراعية على جانب واحد من التحدي، ألا وهو كم السعرات الحرارية، يركز جزء آخر من المجتمع العلمي على جانب آخر مختلف هو استهلاك نوعية الغذاء المناسب.
وحتى الآن، تقود المجموعة الأولى أجندة الأبحاث الزراعية العالمية، لكن دراسة حديثة شاركت في إعدادها مع مجموعة من العلماء الدوليين، ونُشرت مؤخراً في دورية «نيتشر سستينبلتي» تشي بأن التركيز على قضية كم السعرات الحرارية فقط يقودنا إلى منحدر خطير.
وتركز مجموعتنا على مسألتين هما: كم الغذاء الذي سيكون متوافراً أثناء العقود الثلاثة المقبلة، وما إذا كان هذا الغذاء سيفي باحتياجاتنا الغذائية أم لا.
وقد أجرينا تقييمات، تتجاوز في عمقها واتساع نطاقها الدراسات السابقة، لـ158 دولة مختلفة من الدول الموردة في الوقت الراهن للمغذيات الكبيرة، مثل الكربوهيدرات والبروتين والدهون، والمغذيات الدقيقة، مثل الفيتامينات والأملاح المعدنية المطلوبة لصحة الإنسان وإدراكه وإنتاجيته. وبناء على ذلك، نتكهن باحتياجات كل دولة في عام 2050، عندما يزيد تعداد السكان العالمي بنحو 2.1 مليار نسمة، وعندما تنمو اقتصادات هذه الدول على الأرجح. وفي نهاية الدراسة، نقدم أفضل السيناريوهات وأسوأها، علماً بأن توقعاتنا لا تأخذ في الحسبان حدوث تغير مناخي ولا تغيير متطرف في الطقس.
وقد توصلنا إلى أنه في أسوأ الظروف، سيكون هناك غذاء كاف، إذا ما عرّفنا كلمة «كافي» من حيث «السعرات الحرارية» الكافية في المتوسط لكل شخص، حيث تقدر بنحو 2000 سعر حراري يومياً. وبالطبع، لا يعني ذلك أن الجميع سيحصلون في الحقيقة على طعام كاف، وهو ما ينطبق في الوقت الراهن أيضاً. فالحروب الأهلية والطرق غير المناسبة وتباينات الدخل ستؤدي إلى الجوع في 2050 أيضاً كما هي الحال اليوم. فمساعدة الناس تتعلق بالوصول إلى الطعام وليس بتوافره.
وفي الحقيقة، يظهر بحثنا أنه ستتوافر سعرات حرارية لكل شخص في 2050 أكثر مما هو متوافر في الوقت الراهن. وينطبق ذلك على فئات الدخل الخمس التي صنّفنا فيها شعوب العالم، وحتى في مواجهة أسوأ سيناريوهات التغير المناخي.
ويرجع ذلك إلى: أولاً: أننا توصلنا إلى وجود تأثير إيجابي لنمو الدخل بين الوقت الراهن وعام 2050 يتجاوز التأثير السلبي للتغير المناخي. وفي المتوسط، سيكون الناس الذين يحتاجون إلى مزيد الغذاء أكثر قدرة على تحمل تكاليفه. ثانياً: جهود الثورة الخضراء بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز إنتاج الحبوب، مثل القمح والأرز حققت نجاحات كبيرة، بحيث أصبحت لدينا الآن وفرة في الكربوهيدرات. وبسبب الاستثمارات الهائلة في تحسين إنتاجية هذه المحاصيل، فإن مكاسب الإنتاج ستستمر على الأرجح خلال العقود القليلة المقبلة. وقد جعلت سبل تعزيز الإنتاجية من تكلفة هذه المحاصيل محتملة نسبياً قياساً على الأغذية الأخرى.
وعلى رغم من ذلك، كان للنجاح الذي حققه العالم على صعيد الكربوهيدرات جانب سلبي خطير: ألا وهو البلوى العالمية المتمثلة في أمراض السمنة والسكري والأمراض المرتبطة بالنظام الصحي. ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 2014 إلى وجود زهاء 462 مليون بالغ دون الوزن المطلوب، لكن أكثر من 600 مليون شخص آخرين يعانون السمنة، وثلثاهم في الدول النامية، بينما ترتفع معدلات السمنة بين الأطفال في الدول الفقيرة بوتيرة أسرع منها في الدول الغنية.
وفي هذه الأثناء، يسبب نقص الأغذية الدقيقة، مثل نقص فيتامين أ العمى في بعض الأماكن لما يتراوح بين 250 ألفاً ونصف مليون طفل سنوياً، ويموت نصفهم في غضون 12 شهراً من فقدان البصر. ولنقص الحديد والزنك واليود وحمض الفوليك تأثيرات صحية مدمرة.
وتشي تلك الإحصاءات بضرورة التأكيد على المغذيات الدقيقة أكثر من الكربوهيدرات في أنظمتنا الغذائية. وفي هذا المجال، لا تبدو نتائج دراستنا مطمئنة. فنقص الأغذية الدقيقة يشكل مشكلة اليوم حتى في أكثر الدول ثراء، ومنتشرة في الدول الفقيرة. وتظهر توقعاتنا أن هذا النقص من المرجح أن يستمر في ظل كل السيناريوهات، بل ومن الممكن أن يجعل التغير المناخي الوضع أسوأ في بعض المناطق.
وتشي نتائجنا بضرورة تصحيح المسار، فلابد من التأهب للتأثيرات غير المتوقعة للتغير المناخي، وعلينا أن نحول تركيزنا من أمن الغذاء إلى أمن التغذية، لذا لابد من زيادة الرقعة المزروعة بالأطعمة الغنية بالمغذيات ،مثل الفواكه والخضراوات والبذور.
وعلى رغم من أن الأبحاث الزراعية تستغرق وقتاً طويلاً لتثمر، إلا أن لها تأثير السحر، وإن كان بطيئاً. لذا، علينا أن نبدأ الآن!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»