الزيارة الطيبة، التي قام بها البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية لدولة الإمارات العربية المتحدة، عندما نضعها في موقعها الصحيح إسلامياً وعربياً، وكذلك مسيحياً وشرق أوسطياً، وعالمياً، سنجد أنفسنا أمام حدث كوني تاريخي ذي أهمية قصوى، بكل الاعتبارات الدينية والثقافية العمومية والسياسية، إن أهمية ذلك يمتد اتساعاً ليبرز بوصفه نقطة حاسمة- على صعد متعددة، أهمها السلام العالمي والأخوة البشرية، على كل الصعد، ولكن خصوصاً في حقل العيش المشترك بين شعوب العالم فيما يتصل بالانتماءات الدينية المتعددة، بحيث يحصد العالم بشعوبه المتعددة والمختلفة ثمار ذلك من الأخوة الإنسانية والمشاركة في حل معضلات الصراعات الدينية والعرقية والثقافية وغيرها. ونحن نعلم من التاريخ كم كلّفت هذه الصراعات من أرواح البشر. وثمة حالات ظهرت وهيمنت بين مجموعات من الناس مختلفي الانتماءات الدينية والعرقية والطائفية تركت آثاراً ونتائج مأساوية، بحيث وصلت العلاقات بينهم إلى حد السيف والاقتتال. وعلينا أن نذكر عدداً من الصراعات التي نشبت بين أطراف دينية في بلدان عربية، مثل مصر ولبنان وسوريا واليمن والعراق... إلخ، وبمشاركة قوى فاسدة في بلدان عربية، تعيش مثل ذلك الحال الذي يخلق صراعات دينية خطيرة.
فنحن أمام حالتين اثنتين تواجهاننا ضمن تلك الوضعية المشار إليها، فمن طرف أول، نلاحظ أن صراعات طائفية دينية تبرز داخل الأقطار العربية، تجد مَنْ يدفعها إلى الساحة في هذا البلد أو ذاك، بمثابتها وسائل سهلة الحضور عربياً، وقادرة على أن تشعل نيراناً لا يعرف متى تخمد!
ومن واجب مواطني العالم العربي أن يسهموا في تعميق الإيجابيات، فهذا واجبهم باسم القيم السياسية والأخلاقية والنبيلة، التي يجب أن توضع في مقدمة اهتمام المواطنين العرب، يداً بيد مع القيام بخطوة نقدية «سياسياً أو أخلاقياً أو فكرياً...»، بحيث يكون هذا القطر أو ذاك «هدفاً للتطوير والتحديث والنقد الموضوعي».
وقد تحدث البابا فرنسيس عن أديان السلام الحضاري المنتج، ورأيت في ذلك مهمةً إنسانية نبيلة يحتاجها العالم المخترق بشتى أنواع الفساد والعنف والتعصب والاستغلال، وهذا كله يحتاج من القوى العالمية الحية إنتاج عالم جديد، يقوم على مبادئ عالمية عدة، هي على الأقل التالية: التعايش بسلام وباحترام متبادل، المساواة في المواطنة، والتسامح الحقيقي، والفصل الإنساني بين الدين والدولة، الحرية المسؤولية العامة عن كل المواطنين، والنظر إلى المواطنة من حيث هي مبدأ حاسم للنظر إلى الجميع متساوين في ظلها، أي كما جاء سابقاً: القاعدة المبدأ يضعها المجتمع، لتصبح الضابط الإنساني الموضوعي للعلاقات القائمة بين الشعوب، والطوائف، والمجموعات العمرية، الخ (أطفال، كبار، فئات مهما تعددت أعدادها، والقانون الوطني الناظم ينطبق على الجميع).
والبابا فرنسيس أقام قداساً، حضره 180 ألفاً وهو الأول من نوعه وحجمه في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما رافق البابا شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب.
وثمة أمر ذو أهمية دينية وثقافية وسياسية واضحة، وهي إن البابا زار دولة الإمارات العربية المتحدة في 2019 الذي أسمته الإمارات «عام التسامح».
الزيارة فتحت أبواباً أمام العالم باتجاه التسامح والتوادد بين الشعوب والأديان والدول، وذلك في مرحلة عالمية وعربية مضطربة اضطراباً فظيعاً، فكأن العالم البشري كان ينتظر مثل تلك المبادرة الطيبة وما قد يأتي معها وبعدها، ليدخل مرحلة تاريخية تلقي على دول العالم درْساً جديراً بأن يكون مثالاً نموذجياً للتعايش والتسامح والتعارف، ذلك لأن عالمنا دخل في دائرة شبه مغلقة، في علاقات دوله وشعوبه، وكل منْ يؤمن بشعار «السلام للجميع وبأيدي الجميع» يدرك أن الجلوس على مائدة واحدة أصبح مطلباً حاسماً من شعوب العالم، والعربي من ضمنه. ومن جميل الأفكار العالمية الآن في مرحلتنا الحاضرة، أن نتمعن في المبدأ التالي، المنطقي والأخلاقي والإنساني الذي أدعو إلى رفعه على أعلام الشعوب المطالبة بالسلم والتقدم والديمقراطية والمساواة، مع الحرية، إنه هذا الذي ينبغي أن يذكّرنا بشعار مركّب، هو هذا الذي نختم فيه مسك الختام، (أنت أنا لأنني أنت، وأنا أنت لأنك أنا)!