للمرة الثانية أحرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكومة العراقية بعد أن صرح في الثالث من فبراير الجاري بأن «القوات الأميركية ستنتقل إلى قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار، وستكون ضمن مهامها مراقبة إيران..»، مضيفاً: «لقد أنفقنا أموالا طائلة لبناء هذه القاعدة، فلماذا لا نحتفظ بها؟ والهدف مراقبة إيران، لأن إيران مشكلة حقيقية».
ومن جديد أثارت تصريحات ترامب قلقاً لدى الحكومة العراقية، وصرح الرئيس العراقي برهم صالح قائلا «إن الولايات المتحدة لم تطلب إذناً من العراق بمراقبة إيران من أراضيه، وعليها الاقتصار على محاربة الإرهاب وعدم تنفيذ أجندات جديدة». ونفى عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة العراقية وجود أي قواعد أميركية في العراق قائلا: «لا توجد قواعد عسكرية أميركية في العراق، بل هناك مدربون في إطار التحالف الدولي.. نختلف مع الجانب الأميركي بشأن التصريحات الأخيرة، ونرفض هذا المفهوم، وهذه التصريحات غير مفيدة ويجب التراجع عنها».
وكان الرئيس ترامب وزوجته ميلانيا قد زارا الجنود الأميركيين في قاعدة عين الأسد الجوية غربي بغداد، لتهنئتهم بعيد الميلاد، وانتقد ساسةٌ ونوابٌ عراقيون الزيارة وقالوا إن حكومتهم لم تكن على علم بها، معتبرين إياها «انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق». وقال ترامب إنه ليس لديه خطط لسحب القوات الأميركية من العراق، وذلك بعد نحو أسبوع من إعلانه سحب القوات الأميركية من سوريا، حيث يوجد نحو 5000 جندي أميركي في العراق لدعم حكومته. وقال: «قد يتخذ الجيشُ الأميركيُ العراقَ قاعدةً لشن عمليات داخل الأراضي السورية».
وتجد الحكومة العراقية نفسها في وضع حرج بين واشنطن وطهران، حيث أظهرت التصريحات الأميركية الأخيرة حجم التناقض المتزايد بين بغداد وواشنطن، كما وفّرت فرصة ذهبية لإيران للضغط على وكلائها في العراق لتكثيف جهودهم لخلق الظروف الموائمة للتعجيل بإجبار الأميركيين على لانسحاب من العراق. وحرضت طهرانُ حلفاءَها السياسيين في البرلمان العراقي على تبني قانون يلزم الحكومة بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، حيث صرح قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق: «لدى العراق برلمان يستطيع اتخاذ القرار المناسب بشأن التواجد الأميركي في العراق»، مبيناً أنه «لدى العراق أيضاً مؤسسات عسكرية، ويستطيع إخراج القوات الأميركية من أراضيه».
كما لجأت طهران في حربها على الوجود العسكري الأميركي في العراق إلى المرجعية الدينية، حيث قال المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني إن العراق «يرفض أن يكون محطة لتوجيه الأذى لأي بلد آخر».
وتعتقد طهران أن استراتيجية توسيع النفوذ الأميركي العسكري في العراق خطيرة عليها، وأن ذلك النفوذ يربك حساباتها في العراق والمنطقة، فخطط الانسحاب الأميركي من سوريا لن تكتمل إلا بتعزيز الانتشار في العراق، كما صرحت وزارة الدفاع الأميركية. وإذا كان الانسحاب الأميركي من سوريا يخدم الأجندةَ الإيرانيةَ فإن تكثيف وتعزيز القوات الأميركية في العراق يربك الاستراتيجية الإيرانية للاستحواذ النهائي على بلاد الرافدين، ويشكل عقبةً بوجه المشروع الإيراني للسيطرة الإقليمية وصولا للمتوسط.
وتواجه الحكومة العراقية تحديات كثيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، بينما لا يمثل تواجد القوات الأميركية تهديداً فعلياً لها.
ولا يبدو أن حكومة عبدالمهدي تنوي تغيير الوضع الراهن للقوات الأميركية في العراق رغم أن رحيل هذه القوات يشكل أولوية للكتل السياسية الموالية لإيران، خدمةً للمصالح الإيرانية الاستراتيجية في العراق.. وهذه مهزلة عراقية.