في خطابه حول حالة الاتحاد الذي ألقاه مساء الثلاثاء الماضي، احتفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بروح الوحدة التي تجمع الأمة الأميركية، داعياً إلى توافق بين الحزبين. لكنه شدد على ضرورة بناء جدار فصل على الحدود مع المكسيك وواصل الدفاع عن خط سياسي متشدد يطعن فيه الديمقراطيون. والخطر هو ألا يتمكن من الحصول على دعم هؤلاء من أجل تمويل إنشاء هذا الجدار وأن يضطر قريباً للإعلان عن إغلاق حكومي جديد. وبالتالي فهو أمام مأزق حقيقي: إما ألا يعلن عن الإغلاق، مما سيخلق بين أنصاره شعوراً بالتراجع عن وعوده والتزاماته، وإما أن يعلن عنه فيواجه بذلك خطر تناقص شعبيته بشكل أكبر.
وفي ما يتعلق بالهجرة، أعلن ترامب أنه لا توجد مواضيع تُبرز الانقسامَ بين العمال الأميركيين والمسؤولين السياسيين أكثر من موضوع الهجرة، مستغلا بذلك شعور رفض النخب السائد بين الناخبين. وفي هذا الإطار، أعلن أن السياسيين الأغنياء يؤيدون سياسة فتح الحدود بينما يعيشون في رغد من العيش داخل منازل مؤمَّنة ومحمية ومحروسة. فهو يريد أن يُظهر أن خصومه السياسيين معزولون عن الواقع وفاقدو الاتصال بالطبقات الشعبية.
وعلى كل حال، فإن ترامب يستعد منذ الآن لانتخابات 2020 الرئاسية، والديمقراطيون يفعلون الشيء نفسه، لكن في الوقت الراهن لم يبرز بعد أي مرشح بشكل حقيقي. وبالتالي فإن ترامب يستطيع استغلال الانقسام الذي يسود المعسكر المنافس. لكن، هل سيختار الديمقراطيون مرشحاً معتدلا من أجل مواجهة الرئيس الحالي، أم سيفضلون مرشحاً ذا خط جد ليبرالي؟
معدل شعبية ترامب حالياً منخفض جداً (37% من الرأي العام فقط مؤيدون له)، لكن أنصاره يتصفون بقدر كبير من الجد والتصميم وهم راضون عن سياسته. والواقع أن الولايات المتحدة، وعلى غرار فرنسا والمملكة المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى، منقسمة على نفسها إلى معسكرين اثنين: أولئك الذين يعتقدون أنهم مستفيدون من العولمة، وأولئك الذين يعتبرون أنهم متضررون منها.
وبالتالي، فمن المبكر الاعتقاد بأن ترامب سيخسر الانتخابات المقبلة. ذلك أن إعادة انتخابه واردة جداً، لكنها ستعتمد على أمرين: الصحة الجيدة للاقتصاد الأميركي، والحصيلة التي سيستطيع تقديمها للناخبين. والحال أن سياسة خفض الضرائب، التي اعتمدها ترامب بعد تحسن حال الاقتصاد الأميركي، تترجم اليوم إلى تباطؤ نسبي.
ومن جهة أخرى، يمكن القول إن مستقبل القوة الاقتصادية الأولى في العالم بات يعتمد على علاقاتها بالصين وإمكانية اندلاع حرب تجارية من عدمه. وهنا أيضاً يوجد ترامب أمام وضع صعب: ذلك أنه إذا شن حرباً تجارية حقيقية، فسيرضي ناخبيه المقتنعين بأن الصين تقوم بنهب الولايات المتحدة، لكن بذلك يمكن أن يتسبب في أزمة اقتصادية، إذ من شأن حرب تجارية صينية أميركية أن تؤثر على البلدين كليهما. وفي الوقت نفسه، فإن الشخص الذي انتُخب بفضل وعد بإعادة المجد والعظمة للولايات المتحدة لا يمكن أن تكون له فرص في إعادة الانتخاب إلا إذا استطاع أن يُثبت أن الولايات المتحدة باتت أكثر قوة في 2020 مما كانت عليه في 2016، لحظة توليه منصبه.
وفي الأثناء، أعلن ترامب عقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يومي 27 و 28 من فبراير القادم في فيتنام. لكن المشكلة هي أنه إذا كان ترامب قد أعلن أنه حصل، خلال قمة سنغافورة التاريخية في يونيو 2018، على اتفاق بنزع السلاح النووي مع كوريا الشمالية، فإن الزعيم الكوري الشمالي ليس مستعداً بكل تأكيد للتخلي عما يمثل في الواقع بوليصة تأمين بالنسبة له.
وأخيراً، لا شك في أن سحب القوات الأميركية من أفغانستان سيرضي الرأي العام الأميركي. غير أن الانسحاب لا ينبغي أن يترجم، قبل الانتخابات، إلى استعادة «طالبان» للسلطة، حتى لا يخلق ذلك شعوراً سلبياً بالإذلال يمكن أن تكون له تكلفة سياسية كبيرة بالنسبة لترامب.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس