نالت المرأة في ألمانيا حق التصويت عام 1918، لكن بعد أكثر من قرن لاحق لا تزال لا تتمتع بتمثيل متساوٍ. وعلى رغم من أن منصب المستشارية تتولاه امرأة، وستخلفها على الأرجح امرأة أخرى، إلا أن أقل من ثلث أعضاء البرلمان الفيدرالي (البوندستاج) من النساء.
ولهذا السبب تدعو شخصيات بارزة من الأحزاب السياسية الألمانية الكبرى إلى المساواة: بفرض حصة 50:50 في المئة للنواب من الرجال والنساء في البوندستاج والبرلمانات ال16 على مستوى الولايات. غير أن تحقيق التوازن بين الجنسين في المجالس التشريعية الألمانية يضعف إنجازاً آخر تحقق بشق الأنفس ألا وهو: حق حرية الاختيار الانتخابي.
وخلال الأسبوع الجاري، أصبح البرلمان في «برندينبريج» هو أول البرلمانات الألمانية التي تطالب الأحزاب السياسية كافة بترشيح قائمة متساوية من الرجال والنساء للانتخابات في الولاية، بداية من انتخابات عام 2020. ويدفع «حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي»، المنتمي إلى يسار الوسط، لقاعدة مماثلة في الانتخابات العامة. ويطبق الحزب بالفعل هذه القاعدة بصورة غير رسمية في اختياره للمرشحين من أجل انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة في مايو المقبل.
ويمكن أن يوافق معظم الناس على أن التمثيل المتساوي في هيئاتنا المنتخبة هو هدف مرغوب. وفي أي دولة ديمقراطية، ينبغي أن يكون ممثلو الشعب مشابهين للشعب. والقوانين التي تدفع بمزيد من النساء إلى هذه الميدان ربما تبدو بداية جيدة. وتحقق قوانين المساواة هذا الهدف. لكن مثلما تقول المفوضة السابقة للاتحاد الأوروبي «فيفيان ريدنج»: «لست من كبار مؤيدي تحديد الحصص، لكنني أحب النتائج التي تتمخض عنها». غير أن قوانين المساواة لها تكلفة باهظة جداً، فالمساواة القسرية ستحول التمثيل غير المتساوي إلى تمثيل قسري، ولو بصورة جزئية على الأقل. وستشكك هذه القوانين في تقدير الناخبين وتؤدي إلى نتيجة معدّة سلفاً، وستضعف حرية الأحزاب في ترشيح أفضل مرشحيهم. وسترسخ مبدأ تمييزياً. كما أن تحديد الحصص لن يؤدي إلى التغلب، مباشرة، على الأسباب الجذرية لغياب المساواة بين الجنسين في التمثيل السياسي. ولا تكمن المشكلة في السياسة فحسب، وإنما في ميدان منافسة غير مستاوٍ لكل من الرجال والنساء، بعد آلاف السنين من فرض الرجال نفوذهم بآلاف الطرق. وفي البداية، علينا أن نسأل أنفسنا: ما هي العقبات التي تمنع النساء من دخول المعترك السياسي في المقام الأول؟ سنجد أن الجلسات التشريعية، من المجالس المحلية إلى البوندستاج، تكون مكثفة، وغير ملائمة للأسر، وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل. وعلى الرغم من كل الادعاءات بالمساواة بين الجنسين، متوقع من المرأة في المجتمع الألماني أن تكون الراعية الأساسية للأسرة.
وهناك عامل آخر هو التحيز اللاشعوري. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما يرتبط صوت الرجل بالسلطة، في حين أن صوت المرأة له فاعلية اجتماعية أقل. ومؤخراً صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه إذا أرادت المرأة تولي السلطة فهو أمر عليها أن تتعلمه. ومن جانبها، خضعت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر إلى تدريب خاص لخفض صوتها. فهل يتخيل أي شخص حدوث العكس: أن يسعى سياسي ليصبح صوته مثل صوت امرأة، لأن السباق على السلطة يقتضي ذلك؟ وهنا بيت القصيد، فكثير جداً من النساء يعتقدن أن هذه من القواعد غير الرسمية، لكنها تؤثر عليهن بقوة، ومن ثم يفضلن الابتعاد عن السياسة. وفي حين لا يمكن مواجهة التحيز اللاشعوري بالقوانين، لكن يمكن محاربته في النطاق العام، ومن خلال حملات لرفع الوعي بشأن القيود الخفية التي تمنع المرأة من الانخراط في السياسة.
وفي الحقيقة، ربما تحقق ألمانيا تقدماً في هذا الصدد، فالنساء لديهن تمثيل كبير نسبياً في البوندستاج ربما أكثر من الرجال عند مقارنة ذلك بمعدلات المشاركة السياسية بشكل عام، فحصة المرأة في الهيئة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي الاشتراكي هي 42 في المئة، على رغم من أن النساء يُشكّلن 32 في المئة فقط من عضوية الحزب. والأوضاع أفضل في حزب «الخضر»، حيث يشكل النساء أغلبية في الهيئة البرلمانية، في حين أنهن يشكلن 40 في المئة من الأعضاء في الحزب.
وبعبارة أخرى، في غياب تحديد الحصص، لا توشك ألمانيا على أن تحقق المساواة بين الجنسين، لكنها تمضي قدماً في الاتجاه الصحيح، وستحقق نتائج أفضل إذا عالجت بعض القضايا الكامنة التي تمنع المرأة من خوض الميدان في المقام الأول.
*صحفي ألماني
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
يوخين بيتنر
 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/02/01/opinion/germany-wants-more-women-in-politics-but-quotas-are-a-bad-idea.html