بينما تواصل الولايات المتحدة والصين الجدال حول التجارة والتكنولوجيا، تطغى على نقاش السياسة الأميركية وجهتا نظر متباينتان بشأن جوهر المشكلة. وجهة النظر الأولى، والتي كثيراً ما تعبّر عنها تغريدات الرئيس دونالد ترامب على تويتر، تحدد المشكلة الرئيسية في العجز التجاري الذي تسجله الولايات المتحدة بشكل مستمر في ميزان تبادلاتها مع الصين. وبخصوص هذه النقطة، يمكن القول إن الحل سهل نسبياً: إذ يستطيع الصينيون إعادة ترتيب وارداتهم من حبوب الصويا والوقود الأحفوري ومنتجات أخرى على نحو يسمح بجلب كميات أكبر منها من الولايات المتحدة، بينما تستطيع البلدان التي تزود الصين الآن تصدير منتجاتها -بدلاً من ذلك- إلى الدول التي تستورد الآن من الولايات المتحدة. وهذا ما يقترحه الصينيون دائماً نظراً لأنه لا يعني أي تغيير حقيقي في اقتصادهم. إذ من غير المرجح أن تتغير كثيراً مستويات البطالة أو الإنتاج أو إجمالي العجز والفائض التجاري في الولايات المتحدة أو الصين.
أما وجهة النظر الثانية، التي يتبناها أكثر المحذّرين خوفاً وتشاؤماً بشأن العلاقة الأميركية الصينية، ومنهم ممثل التجارة الأميركية روبرت لايتهايزر، فتركز على ممارسات صينية تثير إشكاليات في قطاعات تكنولوجية محورية. هذه الممارسات تتراوح بين سرقة التكنولوجيات الأميركية وبين شروط تلزم الشركات الأميركية الراغبة في القيام بأعمال في الصين، وخاصة في تطوير التكنولوجيات المهمة مثل الذكاء الاصطناعي، بإنشاء مشاريع مشتركة مع شركات صينية، وخاصة تلك التي لديها علاقات مع الحكومة الصينية.
هؤلاء المحذّرون التكنولوجيون داخل الإدارة وخارجها يرون أننا نستطيع حماية التكنولوجيات الأميركية وتحصينها بسياسات شرسة بما يكفي حتى لا تستطيع الصين سرقتها، وأننا نستطيع الضغط على الصين إلى حد تضطر معه للتخلي عن الجهود الحكومة الساعية وراء الزعامة الصناعية. غير أن أياً من وجهتي النظر هاتين واقعية.
والواقع أن التخوفات الأميركية بشأن الصين والتكنولوجيا تعادل، من نواح كثيرة، التخوفات بشأن الاتحاد السوفييتي خلال الفترة التي تلت إطلاق «سبوتنيك»، قبيل انتخاب الرئيس جون كينيدي عام 1960، أو بشأن اليابان في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، عندما كان يقال على سبيل المزاح «إن الحرب الباردة انتهت واليابان فازت».
عندما كانت الأسلحة الذرية سرّنا العسكري الأكثر حساسية، تطلّب ابتكارها بنية تحتية متطورة جداً. غير أنه لم يكن بين الولايات المتحدة وروسيا تقريباً أي تبادل أو تفاعل عادي، ولهذا استطعنا الحفاظ على تقدم بثلاث أو أربع سنوات بخصوص الأسلحة الانشطارية. وبالمقابل، فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يتم تطويرها اليوم يمكن تطبيقها على أجهزة ومعدات متاحة على نطاق واسع. وفضلاً عن ذلك، ثمة مئات آلاف من المواطنين الصينيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة أو يعملون في شركات أميركية تطوّر مثل هذه التكنولوجيا. وبالتالي، فالإبقاء على المعرفة الأميركية بعيداً عن الأيدي الصينية لوقت طويل، هو أمر غير ممكن من دون قطع للعلاقات الاقتصادية.
كما أنه من غير المرجح أن توقف الحكومة الصينية دعمها للتطوير التكنولوجي. ثم إنه كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة لو أن بلداناً أخرى طالبتها بقطع «دابرا» وكالة الأبحاث المتطورة التابعة لوزارة الدفاع، بدعوى أنها تمثل منافسة غير عادلة؟
وبالطبع، علينا، متى استطعنا تعبئة الدعم الدولي، أن ندفع الصين إلى الوفاء بالتزاماتها التجارية ونسعى إلى تعديل القوانين في منظمة التجارة العالمية في المجالات التي لا تشمل الممارسات المثيرة للإشكاليات. غير أن نجاحنا التنافسي سيعتمد خلال الجيل المقبل على ما سيحدث في اقتصادنا ومجتمعنا أكثر منه على ما سيحدث في أي طاولة تفاوض دولية.
فهل سيستمر استثمارنا الوطني في البحث العلمي التطبيقي في التأخر لدرجة أنه حتى ألمع علمائنا الشباب لا يستطيعون الحصول على أولى منحهم البحثية إلا عندما يكونون في الأربعينيات؟ وهل سيواصل المسؤولون العموميون السماح بتعليم نظرية الخلق كعلم حقيقي في المدارس العامة الأميركية في قرن عرفت فيه علوم الحياة تقدماً كبيراً جداً؟ وهل ستهتم السياسة العامة بقوة وتنافسية شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية وبممارساتها التسويقية؟ وهل ستُبذل جهودٌ وطنيةٌ من أجل تحسين الأداء الضعيف للطلبة الأميركيين على كل المستويات في الاختبارات الدولية في العلوم والرياضيات؟
هذه الأسئلة وغيرها، وأكثر من أي مفاوضات تجارية، هي التي ستحدد كيف ستتنافس الولايات المتحدة خلال الجيل المقبل. وإذا كان التحديان الروسي والياباني قد دفعانا إلى الأمام كبلد بطرق جد إيجابية، فكذلك يستطيع أيضاً التحدي الصيني إذا نحن اغتنمنا الفرصة التي يمثلها.

لورانس إتش. سمرز
أستاذ بجامعة هارفرد وزير خزانة سابق والمستشار الاقتصادي السابق لأوباما
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»