أعلن ثمانية ديمقراطيين بارزين على الأقل قرارهم الترشح للانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2020، ومن هؤلاء ثلاث نساء أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي هن: كرستن جيليبراند، وكمالا هاريس، وإيليزابيث وارن. ومن المنتظر أن ينضم مزيد من السيناتورات إلى هذه القائمة، مثل بيرني ساندرز الذي ترشح ضد هيلاري كلينتون، وربما نائب الرئيس السابق جو بايدن. القائمة تشمل كذلك وجوهاً شابةً ورجالَ أعمال وعسكريين سابقين مثل قائدة مقاتلة من هاواي، هي تولسي غابار التي أعلنت عن ترشحها. كل هؤلاء يحرّكهم اعتقادٌ بأن ولاية ثانية لترامب في البيت الأبيض ستكون كارثية بالنسبة للبلاد ولحلفاء أميركا وأصدقائها عبر العالم.
المرشحون لن يواجهوا الناخبين الرسميين بشكل رسمي حتى يناير المقبل، لكنهم بدؤوا منذ الآن حملات انتخابية في الولايات التي تصوّت مبكراً، وخاصة آيوا ونيوهامبشر وكارولاينا الجنوبية. غير أنه ما زال من المبكر جداً في الوقت الراهن التكهن بشأن المرشحين الذين سيتصدرون السباق. كما أن بايدن وساندرز هما الوحيدان المعروفان وطنياً، لكن بعض الوجوه الجديدة ستصبح قريباً مألوفةً جداً لمعظم الأميركيين، وخاصة كمالا هاريس التي كانت نائبة عامة لولاية كاليفورنيا وأبواها ينحدران من الهند وجامايكا.
غير أن "الديمقراطيين" يواجهون ثلاثة مآزق: كيف يمكن اختيار مرشح ناجح من قائمة كبيرة مثل هذه؟ وما هي الرسالة التي ينبغي بعثها إلى الشعب الأميركي؟ وكم من التركيز ينبغي إيلاؤه لأخطاء إدارة ترامب وترامب نفسه؟
قائمة المرشحين المحتملين الحالية تشمل طيفاً واسعاً من الآراء فيما يتعلق بكيفية أن تكون الاستراتيجية الديمقراطية للانتخابات المقبلة. فالمعتدلون يعتقدون أن أحد المفاتيح المهمة للفوز يكمن في استعادة دعم ناخبي الطبقة العاملة في ولايات الغرب الأوسط الذين يصوتون عادة للديمقراطيين ولكنهم صوتوا لترامب في الانتخابات الأخيرة بسبب يأسهم واستيائهم من حال الاقتصاد ومما بدا عجزَ واشنطن عن جعل حيواتهم مقبولة أكثر وإعادة ثقتهم في وظائف جيدة ومستقبل مناسب لأسرهم.
هذا في حين يعتقد الديمقراطيون الأصغر سناً والأكثر تشدداً أنه على الحزب أن ينحاز أكثر إلى اليسار من أجل جذب ناخبين جدد، لاسيما من الأميركيين المنحدرين من أصول أفريقية وأميركية لاتينية. أجندتهم تركز على التفاوت في الدخل، وضعف التعليم، والرعاية الصحية، والسكن، والعنصرية، والمبادرات التي تروم التصدي لجهود إدارة ترامب الرامية إلى إلغاء الإصلاحات البيئية التي جاء بها أوباما وخاصة في «وكالة حماية البيئة» ووزارة الداخلية. ويخشون أنه إذا اختار الحزب مرشحاً معتدلًا، فإن ذلك يمكن أن يثبط الحماس، وبالتالي يؤثر سلباً على نسبة مشاركة الناخبين الشباب في الانتخابات. غير أنهم إذا مالوا إلى اليسار أكثر مما ينبغي، فإنهم قد لا يستعيدون أبداً دعم ناخبي الطبقة العاملة الذين جعلوا انتخاب ترامب ممكناً في عام 2016.
وفي هذا الأثناء، يتناقش الخبراء الاستراتيجيون الديمقراطيون حول قدر التركيز الذي ينبغي إعطاؤه لترامب نفسه. أهمية هذا الموضوع ستصبح أكثر وضوحاً حينما يصدر المحقق الخاص روبرت مولر نتائج تحقيقه بشأن  التدخل الروسي في انتخابات 2016. غير أن فريقاً من هؤلاء الخبراء يرى أنه في غياب أدلة قوية ضد ترامب، فإنه سيكون من الأفضل التركيز على المواضيع التي عبّر الناخبون عن قلق كبير بشأنها، مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والسكن، والعنصرية، والبنية التحتية، والبيئة.. وذلك على اعتبار أنه إذا جُعل ترامب موضوعَ الانتخابات، فإن ذلك سيصب في مصلحته وسيُستغل من قبله. ذلك أن ترامب بارع في السيطرة على الخطاب في وسائل الإعلام، ويعجبه أن يظهر بمظهر المتنافس الأقل حظاً. وهو في حاجة إلى أعداء ليهاجمهم في التجمعات الانتخابية الكبيرة لأنصاره المخلصين الذين سيتشبثون به ويساندونه أياً تكن التهم الموجهة إليه. ولهذا، فإن عدم جعل ترامب محل تركيز لحملة انتخابات عام 2020 سيقلص قدرته على لعب هذا الدور وسيركز مزيداً من الاهتمام على التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد.
هذه الحسابات قد تتغير خلال الأشهر المقبلة. ذلك أن من شأن أزمة سياسة خارجية أو تباطؤ اقتصادي أن يكون عاملاً حاسماً في توجيه دفة النقاشات التي ستتم لاحقاً. والأهم من ذلك هو ما إذا كان ترامب سيسعى للعمل مع نانسي بيلوسي والأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب؟ فإذا فعل، فإن ذلك سيقتضي تنازلات متبادلة هامة، وهذا يمثل مأزقاً بالنسبة له. ذلك أن أنصاره المتشددين يعتبرون التنازلات المتبادلة استسلاماً. ولهذا، فإن أمام كل من ترامب والديمقراطيين اختيارات صعبة جداً في الفترة المقبلة.