في عام 1963 بدأ اجتماع سري في مجمع الفاتيكان، وقد استمر ثلاث سنوات، وشارك فيه كبار القادة الدينيين في العالم المسيحي. ووفقاً لما جاء في كتاب «حوار الحضارات بين المملكة العربية السعودية والفاتيكان»، فقد صدرت في نهاية الاجتماع وثيقة تاريخية تتألف من مائة وخمسين صفحة بعنوان «وثيقة نور العالم» خلاصتها: أن هناك تغيراً جذرياً حدث في مواقف العالم الغربي حيال الإسلام والمسلمين، وهو تغير جعل العالم المسيحي ينفتح على الإسلام ويدعو إلى إقامة حوار مسيحي إسلامي وأن يتم هذا التعاون بصدق ومحبة وأخوة. ومنذ ذلك الوقت أخذت العلاقة بين الطرفين تؤتي ثمارها، لذلك جاء المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي جمع قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان والإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والذي عُقد على أرض دولة الإمارات ونظمه مجلس حكماء المسلمين وشاركت فيه قيادات دينية وفكرية وإعلامية من مختلف العالم، في إطار هذه المسيرة التي ثبتت الحوار والتعايش والتآخي بين البشرية.
وقد عبّر عن ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، خير تعبير في كلمته بهذه المناسبة عندما قال: «إن احتضان دولة الإمارات رمزين من رموز التسامح العالمي، وهما قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في عام التسامح، وعقد مؤتمر الأخوة الإنسانية، والتوقيع على (وثيقة الأخوة الإنسانية) هو رسالة واضحة بأننا عازمون على مواصلة مسيرتنا على نهج زايد المؤسس وجهودنا لنشر رسالة التسامح والمحبة والإخاء في العالم كله، انطلاقاً من إيمان لن يتزعزع بأن التسامح والتعايش والتعاون المشترك هو أساس الأمن والاستقرار في العالم».
وهذه الدعوة الكريمة لاقت من البابا فرنسيس ترحيباً وتجاوباً على اعتبار أن الإسلام مفتوح النوافذ والأبواب لكل العقائد، حيث قال البابا في كلمته: «هذا البلد (دولة الإمارات) لا يستثمر في استخراج موارد الأرض وحسب، بل أيضاً موارد القلب»، وأضاف: «أعرب عن سروري بأول منتدى دولي للتحالف بين الأديان من أجل مجتمعات أكثر أماناً». وهذه الكلمة تعبر بصدق عن تقدير البابا فرنسيس لدولة الإمارات، قيادة وشعباً، انطلاقاً من إيمانه العميق بالعلاقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي. فالحوار وسيلة حكيمة وناجحة لالتقاء الطرفين حول هدف واحد هو خدمة البشرية وعامل أساسي لإصلاح النفوس والقلوب والعقول.
كذلك نجد في كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ترسيخاً لمعنى الأخوة والتعايش والتسامح بين الطرفين، وذلك بقوله: «إن وثيقة الأخوة التي نحتفل بإطلاقها اليوم من هذه الأرض الطيبة، ولدت على مائدة كريمة كنت فيها ضيفاً على أخي وصديقي العزيز فرنسيس بمنزله العامر».
وهكذا فقد أصبح واضحاً مدى انفتاح الإسلام وتسامحه حيال الأديان الأخرى. فالقرآن الكريم، كما يلاحظ كتاب «حوار الحضارات»، شمل أخبار الرسل والأنبياء ودعا للإيمان بهم جميعاً وبسائر الكتب السماوية المنزلة عليهم.
لقد قامت روابط وصداقات بين المسلمين الأوائل والرهبان المسيحيين، وتم توظيف هذه الروابط والصداقات لمصلحة البشرية ولمصلحة الأمتين الإسلامية والمسيحية. والحوار مطلب ضروري على الدوام، لأنه لا غنى عن معرفة الآخر، لإقامة حوار حضاري وثقافي وسياسي واقتصادي، يخدم أطرافه والبشرية ككل، وللإسهام في حل الخلافات أينما كانت في هذا العالم.