حتى أنت يا مايكل بلومبيرج؟!.. لست الرجل الذي كنت أتوقعه! عندما سئل «بلومبيرج» الأسبوع الماضي عن المقترح (الذكي جداً) الذي طرحته عضو مجلس الشيوخ الأميركي «إليزابيث وارين» بفرض ضريبة على الثروة، ردّد «الفرية المحببة لليمين المتطرف في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن خطتها ستحول الولايات المتحدة إلى «فنزويلا» أخرى. وهذه حجة مخزية. وفي الحقيقة عندما ترى شخصاً يتذرع بفنزويلا كسبب لعدم النظر في أفكار سياسية تقدمية، تعرف على الفور أن ذلك الشخص المعني إما لا يريد معرفة الحقيقة أو لا يريد معلومات دقيقة، أو كلاهما معاً. ويظهر ذلك أن المتحدث أو الكاتب لا يرغب في خوض مناقشة جادة، وإنما يُفضّل تخويف الناس بفزّاعة لا يعرف عنها شيئاً.
وعلى أية حال، ما نعرفه عن فنزويلا بالطبع أنها دولة في حالة فوضى. وقد كان اقتصادها دائماً يعتمد على قطاع واحد، مع تفاوت هائل في الدخل. ووصل الرئيس الراحل هوغو تشافيز إلى السلطة بسبب الغضب من النخب السياسية، لكنه استغل السلطة بدرجة سيئة جداً. فأمّم قطاع النفط، وهو أمر لا ينبغي فعله إلا من قبل مَن يستطيع إدارته بأمانة وفاعلية، لكنه حوّله إلى محسوبيات فاسدة، أضعفت أداءه. ثم تراجعت أسعار النفط، وحاول خلفه تغطية فجوة الدخل بطباعة النقود، ومن ثم اندلعت الأزمة.
ويالها من قصة سيئة، ولكنها ليست من دون سابقة: «فشعبوية الاقتصاد الكلي» لها سجل حافل في دول أميركا اللاتينية، وعادة ما تفضي إلى مأساة.
لكن ما علاقة أي من ذلك تحديداً بالأفكار السياسية المطروحة من قبل إليزابيث وارين أو كامالا هاريس، أو حتى متشددة حقيقية مثل «ألكسندريا أوكاسيو كورتيز»؟ هل يقترح أي شخص على الساحة السياسية الأميركية، حتى من يصفون أنفسهم بالاشتراكيين، أن نؤمم أجزاء كبيرة من القطاع الخاص؟ وهل هناك أي شيء في سجل التقدميين الأميركيين يشي بأنهم أقل مسؤولية مالياً من الأشخاص الذين دأبوا على استخدام شعوذة اقتصادية من أجل الدفع بتخفيضات ضريبية هائلة للأثرياء؟
وإذا نظرنا إلى المحتوى الحقيقي لمقترح «وارين» فهو يتشابه مع مقترح ثيودور روزفيلت وليس هوجو تشافيز. ودعوة «هاريس» إلى رعاية صحية للجميع يتم تمويلها من الضرائب تضعنا في الفئة ذاتها مع دول مثل كندا. وأما ما اقترحته «أوكاسيو كوريتز» من رفع معدلات الضرائب على أصحاب الدخول شديدة الارتفاع، فقد سبقها في تأييد ذلك الخبراء الحائزون جائزة نوبل في المالية العامة، ولم يطبق سوى في الولايات المتحدة طوال فترة ازدهارها الكبيرة بعد الحرب!
وربما تختلف مع جلّ تلك الأفكار السياسية، لكن إذا كان ردّك الأول هو الصّراخ بكلمة «فنزويلا»، فأنت تُظهر انعدام الضمير والافتقار إلى أية حجج جادة دفاعاً عن موقفك. وفي حالة «بلومبيرج»، آمل أن ذلك كان مجرد زلة لسان واحدة، تسبب فيها الوقت الطويل الذي قضاه في الحديث مع أصحاب مليارات آخرين وأولئك الذين يحاولون إسعادهم. لكن من الآن فصاعداً، ستكون قاعدتي: أن أي شخص يحاول استغلال فنزويلا كعصا غليظة في نقاش سياسي أميركي، فإنه لن يستحق أن يكون جزءاً من ذلك النقاش.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/01/29/opinion/the-venezuela-calumny.html