رغم انخفاض حدة معظم الأزمات العربية الأكثر سخونة عام 2018، لم يحدث تقدم ملموس باتجاه الحل السلمي لأي منها، وظلت هذه الأزمات، وخاصة الأزمة السورية، مصدراً لتوتر يجعل السؤال عن احتمال نشوب مواجهة عسكرية إقليمية مباشرة مطروحاً عام 2019. وقد أُثير هذا السؤال مرتين منذ منتصف ديسمبر الماضي؛ فقد ُطرح، أولاً، عندما تصاعد التوتر في شمال سوريا فور إعلان الرئيس ترامب سحب القوات الأميركية، وقبولَ دمشق دعوةَ القوى الكردية الموجودة بمدينة منبج للانتشار فيها وحمايتها من تركيا، التي حشدت قواتها استعداداً لشن عملية عسكرية تمتد إلى شرق الفرات. لكن احتمال حدوث مواجهة عسكرية بين قوات تركية وقوات نظامية سورية، تراجع عندما بدأت اتصالات حول إنشاء منطقة عازلة على الحدود بين البلدين. كما أن حرص أنقرة على العلاقات التي تحسنت كثيراً مع موسكو يقيد حركتها في شمال سوريا، ويفرض عليها التفاهم مع روسيا، وليس مع الولايات المتحدة فقط، قبل أن تتخذ أية خطوة كبيرة. ولذا أصبح احتمال حدوث مواجهة مسلحة واسعة النطاق في شمال سوريا اليوم أقل مما كان في نهاية العام المنصرم.
لكن السؤال عن احتمال نشوب حرب إقليمية أُثير مجدداً مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران. فقد استهل رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد أفيف كوخافي مهمات منصبه بتوجيه رسالة قوية تفيد بأنه قد يكون مستعداً للذهاب إلى مدى أبعد في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا. بدأت الرسالة بشن هجوم جوي على مطار في جنوب دمشق في 20 يناير الماضي، وأعقبه إطلاق صاروخ صوب الجزء الشمالي المحتل في الجولان، فكان الهجوم الثاني الأوسع نطاقاً الذي يُعد الأكثر شمولاً وعنفاً منذ أن بدأت إسرائيل في تنفيذ سياسة «ضرب التموضع الإيراني في سوريا»، أي استهداف مواقع تعتبرها تهديداً إيرانياً لأمنها. لكن الوقت مازال مبكراً لتقدير هل في جعبة كوخافي جديد يمكن أن يدفع إيران لإعادة النظر في سياسة الامتناع عن الرد المباشر على الضربات الإسرائيلية.
كان ذلك الامتناع أحد أهم العوامل التي حالت دون حدوث مواجهة عسكرية مفتوحة خلال الفترة الماضية، رغم أن إسرائيل شنت عشرات الهجمات على مواقع تعتبرها تابعة لإيران في سوريا، إلى جانب قبول طهران سحب قوات موالية لها بعيداً عن الحدود في إطار التفاهم الذي حدث بين موسكو وتل أبيب.
غير أنه في كل الأحوال، يظل احتمال نشوب هذه المواجهة مطروحاً، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار سيولة الوضع الدولي وتقلباته وانعكاساته على المنطقة. ومن أهم الأسئلة المطروحة عام 2019، في هذا السياق، السؤال عن تأثير سحب القوات الأميركية، لكن من زاوية غير مطروقة وهي احتمال توصل واشنطن إلى تفاهم مع موسكو بشأن بعض أولويات سياسة الولايات المتحدة الخارجية، وفى مقدمتها الحد من نفوذ إيران الإقليمي الذي يُعد وجودها في سوريا أهم ركائزه.
ورغم أن حديث مسؤول روسي كبير (ميخائيل بوجدانوف)، غداة إعلان ترامب قرار سحب القوات الأميركية، عن عدم وجود مبرر لاستمرار وجود إيران في سوريا، لم يلفت الانتباه كثيراً، فهو يعزز السؤال عن احتمال حدوث تحول في موقف موسكو تجاه هذا الوجود. ولا يخفى أن العلاقات بين موسكو وطهران صارت أكثر تعقيداً، بعد ضمان تحقيق هدفهما المشترك، وهو إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد، واستمراره.
لقد تقلص موضوعياً التعاون بين الطرفين، وقلّت الحاجة إلى الاعتماد المتبادل بينهما، وازدادت مساحة التنافس على النفوذ والمصالح والحصص التي ستعود لكل منهما. لذا لم يعد مستبعداً احتمال أن يصل هذا التنافس إلى مستوى ربما يدفع روسيا إلى قبول توسيع الضربات الإسرائيلية لإضعاف نفوذ إيران في سوريا. ومن هنا واقعية السؤال عن احتمال التوصل إلى تفاهم روسي أميركي على إعطاء إسرائيل ضوءاً أخضر، في وقت ما خلال العام، لشن هجوم عسكري واسع النطاق ضد ركائز النفوذ الإيراني في سوريا.
غير أن وقوع مواجهة عسكرية إسرائيلية إيرانية مباشرة –وليس بالوكالة– يتطلب، فضلاً عن هذا التفاهم، تطورين آخرين؛ أولهما أن تتفق المؤسسات السياسية والأمنية في إسرائيل على أن الوقت حان لهذه المواجهة، والثاني أن تغير طهران سياستها الحذرة تجاه الضربات الإسرائيلية، وتضطر لرد مباشر يؤدي إلى احتكاك قد يتطور باتجاه مواجهة عسكرية واسعة.