لعل أهم ما يطالعنا في الكتب والمراجع التاريخية التي تتناول الحضارة العظيمة التي نشأت في الأندلس هو الأعراق والأجناس العديدة التي عاشت بجوار بعضها البعض في سلم وأمان. وهذا التعايش ما كان ليحدث لولا وجود القيم التي تحث على التعايش المشترك والسلام واحترام الآخر أياً كانت جنسيته أو دينه أو لونه. ولذلك فإن حضارة الأندلس استمرت قروناً عديدةً، ولا تزال آثارها باقية في الثقافة والعمران ومناحي شتى من الحياة في إسبانيا في الوقت الحاضر. وهذه القيم التي تدعو إلى عدم التمييز بين الناس ونشر الوئام والمحبة والتسامح بينهم واحترام الآخرين وتقدير التنوع بين الناس، هي دليل تسترشد به الدول والمجتمعات ليسود السلام والتماسك بينها، وهي محل تقدير وإشادة من القادة الذين يسعون لنشر هذه القيم في مجتمعاتهم. وفي إشادته وتقديره لهذه المعاني، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، «عندما كانت المنطقة في أزهى عصورها متسامحة مع الآخر ومتقبلة للآخر، سادت وقادت العالم من بغداد لدمشق للأندلس… كنا منارات للعلم والمعرفة والحضارة، لأننا كنا نستند إلى قيم حقيقية تحكم علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولنا».
اتخذت دولة الإمارات، والتي هي عمرها 47 عاماً، التسامح الديني في الأندلس والذي امتد 8 قرون منهجاً تسير عليه. فدولة الإمارات أعادت مشروع الثقافة الأندلسية. فلو توقفنا عند بعض الأمثلة من مظاهر التسامح الديني في الأندلس، لوجدنا تشابهاً كبيراً في مفهوم التسامح الديني بين حضارة الأندلس وبين دولة الإمارات، حيث يؤكد المستشرقون أن العرب الفاتحين لم يفرضوا دينهم على سكان المنطقة، ولم يهدموا كنائسهم ولا معابدهم. واعتمد الخلفاء المسلمون على عناصر من اليهود والنصارى في تأدية مهام لمصلحة الدولة، فعلى سبيل المثال عيَّن عبد الرحمن الثالث يهودياً وهو «حسداي بن إسحاق» رئيساً لخزينة الدولة، وترقى حتى وصل إلى أن يكون ممثلاً للحاكم في العلاقات الدولية، لحنكته وإتقانه خمس لغات، وساهم في ترجمة كتب إلى اللغة العربية. وأدى هذا التقارب بين أطياف الشعب الأندلسي إلى أن يتطبعوا بطباع المسلمين ولغتهم وعاداتهم وعرفت هذه الجماعة باسم «المستعربين».
اعتادت دولة الإمارات العربية المتحدة على احترام أصحاب الديانات الأخرى حتى قبل نشأة الاتحاد، حيث بُنيت أول كنيسة في دولة الإمارات عام 1965. وفي الوقت الحالي، وصل عدد الكنائس في الدولة إلى 35 كنيسة، إذ يقول رئيس الكنيسة القبطية المصرية في أبوظبي: إن دولة الإمارات تعامل الكنائس معاملة المساجد من حيث النظافة وتوفير مواقف مجانية، والدولة تتحمل فواتير الماء والكهرباء. وأشار أحد القساوسة إلى أن الدولة تحملت تكاليف علاج شخصيات دينية مسيحية خارج الدولة. ويؤكد كبار الأقباط أن التسامح في الإمارات لم يشهد له مثيل في هذا العصر. ولا يتوقف هذا التسامح على البشر بل امتد إلى الآثار المكتشفة، حينما اكتشف دير مسيحي في صير بنى ياس يعود إلى القرن السادس في عام 1992، أمر الشيخ زايد بن سلطان بالحفاظ عليه وإعداده ليصبح مزاراً تاريخياً وسياحياً.
احترام دولة الإمارات للديانات يشمل العقائد السماوية الثلاث، وهناك قصة متداولة عن المغفور له الشيخ زايد، وذلك حينما كان في جنيف، وكعادته يسأل عن أحوال العرب. فأرسلت رسائل تعبر عن احتياجاتهم، وأثناء عرض الرسائل عليه، لاحظ الشيخ زايد إخفاء أحد الرسائل. فقال الشيخ زايد «كأنك دسيت رسالة عني» فكانت الإجابة «هذا ما يوزلك يا طويل العمر، صاحب الرسالة يهودي»، فقال الشيخ زايد: «أأنت رب هذا اليهودي. أما أنا، هذا اليهودي إما يختبرني أو مستحسن الظن فيني»، وفي كلتا الحالتين أمر الشيخ زايد بقضاء حاجاته. وهذا يدل على التسامح الديني في فكر القيادة الرشيدة وامتداداً للتسامح الديني في الأندلس، حيث يقول الشيخ محمد بن راشد نحن لم نبتدع التسامح بل هو في ديننا ومارسه أجدادنا العرب لذا «تعلمنا من التاريخ أهمية التسامح».