أصبح من الواضح أن البرامج الحزبية والمواقف السياسية لن تكون وحدها عنصر الترجيح في الانتخابات الإسرائيلية المقررة في التاسع من أبريل القادم، فقد دخل إلى الساحة عنصر جديد متمثلاً في احتمال تقديم عريضة اتهام قضائية تتضمن اتهامات الفساد الموجهة لنتنياهو.
لقد ظل رئيس وزراء إسرائيل لفترة طويلة يبدي استخفافاً بهذه الاتهامات، والتي تحقق فيها الشرطة، وكان يردد أنه واثق من براءته وأن كل هذه الاتهامات ليست سوى فقاعة ستنفجر في وجوه من صنعوها، وذلك عندما كان يتصور أن صديقه المستشار القانوني للحكومة لن يوجه إليه دعوى اتهام وأنه سيحفظ التحقيقات أو على الأقل سيؤجلها إلى ما بعد الانتخابات ليضمن لنتنياهو الفوز الذي يحلم به. غير أنه عندما شعر أخيراً بأن هذا المستشار يقترب من توجيه دعوى اتهام ضده، سارع إلى إلقاء بيان موجه للجمهور وصفه مدع عام سابق بأنه يشبه بيانات زعماء العصابات، لأنه يحاول اعتراض سيادة القانون ومنع تطبيقه.
في بيانه شبه نتنياهو قرار المستشار القضائي المتوقع صدوره في فبراير قبل الانتخابات المقررة في التاسع من أبريل، بأنه عملية تشبه قطع ذراعه قبل أن يمثل أمام المحاكم وقبل أن تثبت براءته في الحكم النهائي.
إن مخاوف نتنياهو تنبع من أمرين: الأول أن يؤدي تقديم دعوى الاتهام ضده إلى فقدانه ثقة حلفائه وناخبيه، فلا يحقق الأغلبية المطلوبة في الانتخابات لشغل منصب رئيس الوزراء، والثاني أن تؤدي دعوى الاتهام إلى أن يرفض رئيس الدولة العبرية تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة حتى ولو فاز بأغلبية الأصوات على أساس وجود شبهات تحيط بموقفه.
لقد قصد نتنياهو بتشبيه قطع الذراع أن توجيه اتهام له قبل الانتخابات ودعوته لجلسة استماع يشوه صورته ويؤثر سلباً على حظوظه الانتخابية، وأنه سيحتاج وقتاً طويلاً لإثبات هذه البراءة، لكنه سيكون قد خسر الانتخابات.
هنا قال نتنياهو مخاطباً الجمهور إن اليسار يحاول سرقة الانتخابات منكم وخلع رئيس الوزراء بعيداً عن العملية الانتخابية، وتساءل: من سيعيد لكم الانتخابات إذا مرت بهذه الطريقة. كما لم يترك أي غموض بشأن طريقة فهمه لما يجري باعتباره مؤامرة تحاك ضده من جانب الأحزاب اليسارية والإعلاميين ودوائر الشرطة، بسبب سياسته تجاه الفلسطينيين وأنه كان يمكنه تجنب هذه المؤمرات لو قرر العودة إلى حدود عام 1967!
لقد جاء بيان نتنياهو مع حملة شنها أنصاره من حزب «الليكود» على المستشار القضائي للحكومة في محاولة للتأثير عليه ومنعه من إصدار دعوى اتهام قبل موعد الانتخابات، خصوصاً أن هذا المستشار (يدعى مندلبيلت)، ورغم علاقته الوثيقة بنتنياهو، قام بدعوة عدد من كبار رجال القضاء السابقين للتشاور معهم حول ما يلزمه القيام به. لقد نصحوه بتقديم الدعوى طبقاً للأصول وبغض النظر عن موعد الانتخابات.
ونلاحظ هنا منطقين متعاكسين؛ الأول يقدمه أنصار نتنياهو قائلين إن تقديم دعوى الاتهام قبل الانتخابات يجافي قواعد الديمقراطية، لتأثيره على الإرادة الحرة للناخبين، فيما يرى آخرون بينهم رجال قضاء محايدون أن من واجب مندلبيلت تقديم الدعوى قبل الانتخابات ليعرف الجمهور ما هو مقدِمٌ عليه من اختيارات سياسية.
ويبقى السؤال المهم مفتوحاً، وهو: هل ستطيح تهم الفساد بفرص نتنياهو في الاستمرار كرئيس للوزراء أم سينجو منها؟