رفضت إحدى محاكم ميانمار مؤخراً استئناف صحافيَين من وكالة رويترز مسجونين بسبب كشفهما جرائم ارتكبها جيش البلاد بحق الروهينغا، ما يمثل دليلاً قوياً على مدى عودة السلطوية إلى ميانمار. صعود هذا المد المناوئ للديمقراطية لديه مصدر لا يخطر على البال: إنها الحائزة على جائزة نوبل للسلام والملقبة سابقاً «أيقونة الديمقراطية».
لقد بات واضحاً أن جيش ميانمار وزعيمه يتقاسمان مع «أونغ سان سو كي» الرؤية ذاتها لمستقبل البلاد، وهي رؤية قديمة للهيمنة من قبل النخبة البوذية، التي ترفض التسامح مع أي شكل من المعارضة، ولا تراعي تطلعات المجموعات الإثنية الأخرى. لذلك، أخذت الآمال في الديمقراطية والسلام في ميانمار في الانحلال والتفكك، كما أصبحت العودة السريعة للروهينغا عصية وصعبة المنال على نحو متزايد.
الاختلافات الرئيسية بين القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال «مين أونغ هلينغ» و«سو كي»، المعروفة أيضاً بلقب «السيدة»، لها علاقة أقل بالأيديولوجيا منها رغبتهما في السلطة. ورغم أن «سو كي» تبدو ملتزمة بالحكم البرلماني، فإن لمقاربتها خصائص سلطوية لافتة. فأعضاء البرلمان من حزبها، «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، لديهم هامش محدود للتحرك ويخضعون لمراقبتها. والجهاز القمعي للدولة بات يُستخدم من قبل حكومتها لترهيب الأصوات المعارضة وقمعها.
لذلك باتت عملية السلام أسيرة مواجهة أوسع بين السيدة والجنرال. فكلاهما يركزان اهتمامهما على انتخابات 2020. و«سو كي» بحاجة لإقناع أكبر عدد من حركات التمرد الـ21، المعروفة بالمنظمات المسلحة الإثنية، بتوقيع اتفاق وطني لوقف إطلاق النار، لكن الجيش يريد أن يُثبت عجزها. ورغم أن كليهما يدركان أهمية السلام للرخاء الاجتماعي والاقتصادي، فلا أحد منهما مهتم بالحوار مع المنظمات المسلحة الإثنية، أو أي زعماء إثنيين آخرين.
مينغ أونغ هلينغ، قائد الجيش، يشدد على ضرورة التزام المجموعات الإثنية بعدم الانشقاق وقبول جيش واحد لميانمار قبل أي مفاوضات. وبالطبع، فمثل هذه الشروط تعيق أي حوار بنّاء. والاتفاق الوطني بشأن وقف إطلاق النار يتضمن التزاماً بتأسيس «اتحاد مبني على مبادئ الديمقراطية والفيدرالية». لكن في الأثناء، يتم تمرير تشريع حول ملكية الأراضي وإدارة الثروات الطبيعية دون مشاركة أبرز الأطراف الإثنية غير البوذية.
وقد تتعرض «سو كي» لضغوط من قاعدتها بين أغلبية «بامار» البوذية، إذ تتم تعبئة القوى المناوئة لها حالياً من خلال الشبكة البوذية المتطرفة «ما با ثا». كما يتم تشكيل تحالفات ضدها مع حزب النظام السابق. ولذا، فإنها حتى في حال كانت تتعاطف مع مطالب المنظمات المسلحة الإثنية، فقد لا تكون لديها حرية كبيرة للتعاطي معها. وإلى ذلك، فليس ثمة حوافز سياسية حقيقية لتسوية أزمة الروهينغا.
«السيدة» تستخدم وقف القتال الذي جلبته اتفاقات وقف إطلاق النار إلى الأجزاء الجنوبية الشرقية من البلاد لتوسيع حضور الحكومة المركزية داخل المناطق المدارة من قبل المجموعات الإثنية، عبر توفير خدمات الحكومة المركزية بالتوازي مع منع الدعم الدولي للإدارات الإثنية الموجودة. ومن جانبه، أخذ جيش ميانمار يعزِّز مواقعه في المناطق الجنوبية الشرقية نفسها لدرجة الاستفزاز.
وباعتباري شاهداً على الكثير من ماضي ميانمار القريب، فإنني أجد من المحزن جداً مشاهدة فرصة لتحقيق سلام تاريخي تضيع، وإدراك مدى غياب الشروط لعودة الروهينغا، والاضطرار للاعتراف بأن «سو كي» التي كانت تحظى بالتقدير والاحترام من قبل العالم ذات يوم، لم تعد موجودة.

تشارلز بيتري
مساعد سابق لأمين عام الأمم المتحدة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»