مع بداية الأسبوع الماضي، دخل إغلاق أجزاء من الحكومة الفيدرالية الأميركية أسبوعه الثالث، وقرر «الجمهوريون»، المولعون بتكبيل أيدي «الديمقراطيين»، اللعب بـ «ورقة إسرائيل». لكن محاولتهم فشلت! والنزاع بين البيت الأبيض و«الديمقراطيين» الذي تسبب في إغلاق الحكومة ناجم عن إصرار الرئيس دونالد ترامب على ضرورة أن تتضمن أية ميزانيات جديدة يعتمدها الكونجرس خلال العام الجاري على أكثر من 5 مليارات دولار لتغطية تكلفة «الجدار»، الذي وعد ببنائه على الحدود الأميركية مع المكسيك. وهذه هي المواجهة الثالثة بشأن القضية ذاتها خلال عامين، منذ تولي الرئيس ترامب المنصب.
وقبل عام واحد تماماً، عرض «الديمقراطيون» على الإدارة تسوية في صورة مبادلات، إذ وافقوا على تأييد تمويل الجدار في مقابل تنازلات من قبل البيت الأبيض بشأن وضع المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة عندما كانوا قصّراً. وفي البداية وافق ترامب، لكن بعد ردة فعل غاضبة من «المحافظين المتعصبين»، تراجع عن تلك التسوية، وزاد من تعقيد الأمور بإهانة المهاجرين من الدول الأفريقية ودعا إلى وضع نهاية لتأشيرات «لمّ شمل الأسر». والآن، بعد أن أصبح «الديمقراطيون» يسيطرون على إحدى غرف الكونجرس، شدّد «الجمهوريون» في مجلس الشيوخ والرئيس موقفهما، ولسان حالهما «لا موازنة بلا جدار!». ومع إدراك صعوبة موقفهما، بالنظر إلى أن غالبية الشعب لا يريدون أو يرون حاجة إلى بناء ذلك الجدار، فقد اتبع «الجمهوريون» والرئيس خطة من شقين، الأول: حاول «الجمهوريون» تحويل المناقشة من الحاجة بناء «الجدار» إلى الحاجة بصورة عامة إلى مزيد من أمن الحدود. ومن جانبه، سعى الرئيس ومعه المتحدثون باسم البيت الأبيض، إلى جانب مواصلة الإصرار على بناء «الجدار» استخدام أساليب التخويف، محذّرين من أن «آلاف الإرهابيين وتجار المخدرات سيتدفقون بلا رادع عبر الحدود».
وفي الأسبوع الثاني من المواجهة، بعد أداء اليمين في الكونجرس الجديد، أعلن «الديمقراطيون» أن أولى أولوياتهم لهذا الكونجرس هي تمرير الموازنة وإعادة فتح الحكومة. وفي أول تحرك من جانبهم، مرّر مجلس النواب «ميزانية تسوية» كان قد أقرّها «مجلس الشيوخ الجمهوري» قبل شهر واحد مضى. ولم يكن مجلس «النواب» قد وافق على ذلك القانون عندما كان يسيطر عليه «الجمهوريون». لكن بعد تمرير قانون الموازنة، أرسله مجلس النواب الجديد بقيادة «الديمقراطيين» إلى مجلس الشيوخ للموافقة عليه. غير أنه بعد أن أصبح ترامب لا يوافق على هذه التسوية، رفض زعيم «الجمهوريين» في مجلس الشيوخ طرح القانون للتصويت، على رغم من أنه كان يؤيده قبل أسابيع قليلة فقط.
وعندئذ، حاول السيناتور «الجمهوري» «ماركو روبيو»، بمباركة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الرد على «الديمقراطيين» بطرح قانون «لتعزيز أمن أميركا في الشرق الأوسط»، ويتكون من أربعة أجزاء. يتضمن الجزء الأول زيادة كبيرة وواسعة النطاق للمساعدات الأمنية الأميركية المقدمة لإسرائيل. ثانياً: إعادة تفويض التعاون الدفاعي بين أميركا والأردن. ويشمل أيضاً عدداً من الأحكام التي تتعامل مع العقوبات ضد الحكومة السورية ومساعدة الشعب السوري. وأما الجزء الأخير من القانون فيدعو إلى تأييد الحكومات المحلية والولايات التي تجرّم أو تعاقب من ينخرطون في حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات أو العقوبات ضد إسرائيل أو المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى رغم من مزاعم أن القانون لا يحدد سلفاً الحدود الإسرائيلية أو ينتهك حقوق الأميركيين المحمية بموجب الدستور، فإنه ينطوي على كلا الأمرين. فالقانون يشمل «بالحماية» المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي إزاء «أنشطة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات»، ومن ثم يقبل بوضوح احتلال إسرائيل لأجزاء واسعة في الضفة الغربية. ويُشكّل القانون في جوهره انتهاكاً لحقوق المواطنين الأميركيين لاسيما حرية التعبير وحرية الاختيار، ولهذا السبب اعترض اتحاد الحريات المدنية الأميركي ومجموعة من المنظمات الحقوقية المحافظة والليبرالية على القانون.
وقد أراد «الجمهوريون» بوضع بنود التصدي لحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات في القانون، وبإدراج بند آخر مرتبط بإسرائيل، إنجاز هدفين: الأول كسر إرادة «الديمقراطيين» الذين يعترضون على «القيام بالعمل المعتاد» حتى يتم تمرير الميزانية، واستغلال «دعم إسرائيل» كوسيلة لمحاولة استمالة تأييد اليهود الأميركيين من الحزب «الديمقراطي». لكن الأمر لم يجد نفعاً.
وحاول «روبيو» و«جمهوريون» آخرون تصوير «الديمقراطيين» على أنهم «متساهلون تجاه أمن إسرائيل» لأنهم لا يعارضون المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات. لكن ذلك الزعم تبدد عندما اتفق مناصرون أقوياء لإسرائيل مثل السيناتور «تشاك شومر» و«بين كاردين» مع «الديمقراطيين» على أنه لا ينبغي أن يضطلع مجلس الشيوخ «بعمله المعتاد» حتى يوافق «الجمهوريون» على إعادة فتح الحكومة.