يعتبر الدماغ البشري أهم مصدر للتقدم والتطور والتطوير على وجه الأرض، وقد يكون أيضاً بين الموارد الأقل تقديراً، انطلاقاً من التشاؤم المستمر، الذي يعود إلى قرون ماضية، وذلك رغم التهديد المفترض الذي يواجه الزيادة السكانية.
بيد أن بعض الأفكار الخاطئة كانت أكثر استمراراً من الخوف حيال الكثير من الناس. وقد عزز رجل الدين البريطاني «توماس روبرت مالتوس» الخوف من الزيادة السكانية في مقالة له مشهورة كتبها عام 1798. وهي مقالة لا تنسى لأنها كانت مضللةً للغاية. فقد توقع مالتوس أن عدد السكان سيتجاوز قريباً قدرة الأرض على إمداد البشر بحاجياتهم الغذائية، لكن بدلا من أن تتحقق معادلة مالتوس، انطلق الجنس البشري سريع النمو في اندفاع طويل من النمو الاقتصادي والازدهار الصناعي غير المسبوقين.
ولم يمنع إخفاق توقعات مالتوس من صعود المالتوسيين الجدد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والذين وصلت مغالطاتهم ذروتها مع إصدار كتاب «القنبلة السكانية» الذي أصبح الكتاب الأكثر مبيعاً في عام 1968. وطرح هذا الكتاب الكئيب أفكاراً مثل التعقيم الإلزامي وفرض ضريبة على الأطفال لإنقاذ الكوكب. وفي الصين، أنتج هذا التفكير المشوش «سياسة الطفل الواحد» الصارمة، والتي صدر مرسوم بشأنها في عام 1979، وكان من شأنها أن عرقلت النمو في البلاد لعقود تالية. وشهدت الجهود الأخيرة من قبل قيادة صينية أكثر ذكاءً، تحولاً عن هذه السياسة في محاولة لوقف نتائجها الضارة والمخيبة للآمال.
وفي عام 1980 راهن «جوليان سايمون»، من جامعة ماريلاند ومؤلف كتاب «القنبلة السكانية»، راهن زميله «بول الرلخ»، الأستاذ بجامعة ستانفورد، على أن الموارد ستصبح في الواقع أكثر وفرة، وليس العكس، مع النمو السكاني. لقد أدرك سايمون أن المزيد من العقول البشرية ستعمل على إيجاد إمدادات جديدة، وعلى ابتكار طرق أكثر كفاءة لتنمية الموارد واستخدامها الاستخدام الأمثل، وعلى تخيل بدائل جديدة للموارد التي قلّت وأصبحت نادرة. وبالطبع، فقد ربح الرهان: ففي غضون أكثر قليلا من عشر سنوات، انخفض سعر مجموعة من السلع الأساسية بأكثر من النصف، في مؤشر واضح على أن العرض كان يفوق الطلب.
وفي بحث مبهج نشره الشهر الماضي معهد «كاتو» التحرري، قام كل من «جالي بولي» و«ماريان توباي» بتقديم أداة أكثر تطوراً لقياس ما يسمونه «مؤشر سايمون للوفرة». وهما، باختصار، يحسبان تكلفة السلع بالوقت الذي يستغرقه عامل عالمي نموذجي لكسب ما يكفي من المال لشرائها. ويحدد المؤشر الرخاء أو النقص على مستوى الأرض في التجارب الحية للبشر الفعليين.
وبقياس مستوى الدخل العالمي في الساعة، تراجع سعر سلة تضم 50 سلعة أساسية (طعام وطاقة ومعادن وما شابه) بنحو الثلثين خلال الفترة ما بين إجراء الرهان وبين عام 2017. وبالقياس حسب الوقت الذي يستغرقه شراء السلة، أصبحت موارد الأرض أكثر وفرة بنسبة 380% مقابل نمو سكاني لا يتجاوز نسبة 69%.
وجعلني رد فعلي الإنساني الكئيب أكتب أن الموارد تنمو بوفرة أكبر «بالرغم» من الزيادة في عدد السكان. وفي الواقع، فقد نمت الموارد «بسبب» الارتفاع في عدد السكان. نحن نعتقد أننا نعرف حدود مواردنا، لكن سرعان ما تكتشف العقول البشرية سبلا لانفجار هذه الحدود. وبعض هذه الوسائل تكون استخراجية، مثل تحرير النفط والغاز «المحدودين» من خلال التكسير، أو اكتشاف اليابانيين ودائعَ أرضية نادرة تحت سطح البحر. لكن الحلول الأخرى قابلة للتجدد والتجديد. ولنأخذ على سبيل المثال قضية إمدادات المياه الملحة، والتي تعد في الوقت الحالي مصدرَ قلق لحدوث كوارث إنسانية. في الأماكن التي تعاني ندرة المياه، من فلسطين إلى سنغافورة إلى لاس فيجاس، تقوم العقول البشرية بنشر مجموعة واسعة من التقنيات لتحلية مياه البحر بكفاءة أو إعادة تدوير مياه الصرف بشكل فعال، وبالتالي زيادة الموارد المتاحة. وفي الوقت نفسه، يتم صنع الأجهزة الحديثة وبناء المصانع بشكل أكثر كفاءةً، مما يزيد العرض.
هذه التطورات لا تحدث عن طريق السحر، بل من خلال مؤشرات الأسعار. فعندما يصبح مورد ما باهظ الثمن، يعرف الأشخاص المبدعون كيفية العثور على المزيد أو إنشاء المزيد أو ترشيد الاستخدام.
وقد حصل الخبير الاقتصادي «بول رومر» مؤخراً على جائزة نوبل نظير عمله في قياس التأثير المفيد للتفكير البشري، والإبداع ووضع القواعد بشأن الوفرة العالمية. ويشير رومر إلى الإمكانية الهائلة لفرض ضريبة على الكربون كأفضل سلاح متاح ضد تغير المناخ. وهذه الضريبة، التي يمكن استردادها في صورة دعم للتطورات الخضراء (صديقة البيئة) في المنزل والعمل هي مؤشر أسعار ضروري لإطلاق العنان للقوى الخارقة الكاملة للإبداع البشري.

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»