مثلما يعرف الجميع، يبدو العالم على شفير الهاوية، لكن لا تزال هناك بعض الإثارة الانفعالية في انتظار معرفة أي القوى الظلامية تحديداً ستهوي بنا إلى القاع. فهل سينهار الاقتصاد أولاً؟ أم سيذوب الجليد أولاً؟ أم أنها براثن الفوضى والحروب هي التي ستغرقنا أولاً؟ لذا، أقدم لكم هنا علاجاً لكل هذا الأسى، لكن دعوني أوضح أن عام 2018 كان في الحقيقة أفضل عام في التاريخ البشري!
ففي كل يوم تقريباً، تمكن متوسط 295 ألف شخص حول العالم من الحصول على الكهرباء للمرة الأولى، بحسب «ماكس روزر» من جامعة «أكسفورد» وموقعه على شبكة الإنترنت «وورلد إن داتا». وفي كل يوم، تمكن أيضاً 305 آلاف شخص آخرين من الحصول على مياه شرب نظيفة للمرة الأولى، كما تمكن 620 ألف شخص يومياً من الولوج إلى شبكة الإنترنت للمرة الأولى أيضاً.
ولم يحدث من قبل أن كان هناك هذا الجزء الكبير من البشرية متعلماً وتمتع بالعيش ضمن الطبقة المتوسطة، وعاش حياة طويلة، وتمكن من الحصول على وسائل تنظيم الأسرة أو كان واثقاً من أن أطفاله سيمكنهم البقاء على قيد الحياة. وبناء على ذلك، دعونا نضع مخاوفنا وإحباطاتنا جانباً ونتشارك لحظة احتفاء على خلفية هذا التقدم.
وعلى طريق في منطقة ريفية بدولة أنجولا قبل بضع سنوات، التقيت امرأة اسمها «ديلفينا فيرنانديز» كانت قد فقدت 10 من أطفالها الـ15، أي أنها عانت ربما من أكبر ابتلاء يمكن أن تواجهه أي أم، وقد عانته عشر مرات!
وعلى الرغم من ذلك، أصبحت مثل هذه الوفيات بين الأطفال أقل شيوعاً بكثير في الوقت الراهن. ويموت الآن زهاء 4 في المئة فقط من الأطفال حول العالم قبل عمر الخمسة أعوام. وعلى الرغم من أن هذه النسبة مروّعة أيضاً، لكنها تمثل انخفاضاً من 19 في المئة في 1960 و7 في المئة في عام 2003.
وهناك خبر مهم لن يتصدر عناوين الصحف ولن يظهر في النشرات التلفزيونية هو أن 15000 طفل ماتوا في العالم خلال الـ24 ساعة الأخيرة. لكن في تسعينيات القرن الماضي، كان نحو 30 ألف طفل يموتون يومياً.
وربما من السذاجة أو الابتذال أن نتفاخر بالتقدم في وقت يوجد فيه قدر كبير من الوحشية والفوضى والتهديدات يحلق من حولنا. لكنني أتناول دائماً في مقالاتي تلك الوحشية والفوضى، وأكتب هذا المقال السنوي بشأن التقدم في محاولة لتوضيح الأمور بشأن تلك المآسي.
وأحد أسباب كتابتي لهذا المقال هو أن الصحافة من المفترض أن تُثقّف الناس بشأن ما يجري في العالم، لكن اتضح أن معظم الأميركيين، (وكثيراً من المواطنين في الدول الأخرى)، مضلَّلون.
وعلى سبيل المثال، يعتقد 9 من كل عشرة أميركيين في استطلاعات الرأي أن معدلات الفقر في العالم تزداد أو لا تزال ثابتة، في حين أن الاتجاه الأكثر أهمية في العالم هو حدوث انخفاض كبير في معدلات الفقر. وحتى خمسينيات القرن الماضي، كان غالبية البشر يعيشون دائماً في «فقر مدقع»، أي يعيشون على أقل من دولارين للشخص في اليوم. وعندما كنت طالباً في الجامعة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كان 44 في المئة من سكان العالم يعيشون في ذلك الفقر المدقع. وأما الآن، هناك أقل من 10 في المئة من سكان العالم يعيشون في ذلك المستوى، بالطبع مع الأخذ في الحسبان معدلات التضخم. وبالمثل، يتصوّر الأميركيون أن 35 في المئة من أطفال العالم قد حصلوا على التطعيمات اللازمة، في حين أن 86 في المئة من جميع الأطفال البالغين عاماً واحداً قد طُعّموا في الحقيقة ضد أمراض الدفتاريا والتيتانوس والسعال الديكي.
وبعد وفاة الدكتور «هانز روزلينج»، العالم المعروف في مجال الصحة الدولية، العام الماضي، نشرت دورية «فاكتفولنس» مقالاً كان قد كتبه وأوضح فيه: «أن الجميع ينظرون للعالم بصورة خاطئة ومدمّرة، وجميع فئات الشعب ممن سألتهم يعتقدون أن العالم أضحى أكثر ترويعاً وعنفاً ويأساً.. وباختصار أكثر دراماتيكية مما هو عليه في الحقيقة!».
وأشك في أن سوء الإدراك هذا يعكس جزئياً كيفية تغطيتنا للأخبار في الصحافة، فنحن نسلط الضوء على الحروب والمجازر والمجاعات، ونركّز بدرجة أقل على التقدم.
وخلال العام الماضي، تناولت الفظاعات ضد الروهينجا في ميانمار، وجرائم الحوثيين في اليمن، والتغير المناخي في بنجلاديش، واللاجئين، وزواج الأطفال في أميركا، وبعض من أسوأ حالات الفقر في العالم في جمهورية أفريقيا الوسطى. وكل هذه القصص تستحق اهتماماً أكبر وليس أقل، لكنني لم أكتب أبداً مقالات أو نشرات عن ثلاث دول حققت تقدماً مذهلاً ضد الاستبداد وضعف الحكومة في 2018 هي أرمينيا وإثيوبيا وماليزيا. وبالطبع، هناك تحديات جسيمة تنتظرنا. فالمكاسب التي تحققت ضد الفقر والمرض يبدو أنها تتباطأ، والتغير المناخي يمثل تهديداً خطيراً خصوصاً على الدول الفقيرة. والولايات المتحدة ليست استثناء، فمتوسط الأعمار في تراجع، ولا يرتفع كما هي الحال في معظم دول العالم. لذا هناك أمور كثيرة ينبغي أن نقلق بشأنها، لكن علينا ألا نخفق في الإقرار بحدوث تقدم عالمي، لأن ذلك يترك الناس في حالة من اليأس، ويدفعهم إلى القنوط. وفي الحقيقة، ينبغي أن تكشف لنا المكاسب ما هو ممكن، وأن تحفز مزيداً من الجهود الرامية إلى تحسين الفرص في أرجاء العالم.

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»