يبدو أن الديمقراطية يمكن إضعافها بسهولة في الدول المتقدمة من خلال منقذيها المفترضين، بوسائل بيروقراطية وفي هدوء تام. فقد مررت حكومة رئيس الوزراء الكندي «جاستين ترودو» مؤخراً أكثر من 200 صفحة من التغييرات الجذرية على الطريقة التي تجري بها الانتخابات الكندية. ومن بين أمور أخرى، ستقيد القواعد الجديدة درجة ممارسة الكنديين لحقوقهم الدستورية من حرية التعبير إلى النشاط السياسي. وقد تم تمرير هذه اللوائح بترتيب تقدمي نموذجي يُقيّد الخطاب والنشاط السياسي بقوة باسم النزاهة والمساواة.
وبحسب وزارة «المؤسسات الديمقراطية»، يسعى التشريع الجديد لضمان أن «القوى الفاعلة السياسية» تعمل في «ميدان يتسم بالمساواة والنزاهة»، وسيفرض «قيوداً منطقية» على موازنتها. لكن بعبارة أخرى، يعني ذلك أن الحكومة الكندية ابتكرت أساليب جديدة لمعاقبة الجماعات السياسية الكندية، سواء أكانوا نشطاء في مجال البيئة أو محافظين اجتماعيين أو قادة في منظمات عمالية أو تجارية أو نشطاء مدافعين عن حقوق الأقليات أو أي شيء آخر بين ذلك ممن ينخرطون في أنشطة مثل الإعلانات الانتخابية أو حملات طرق الأبواب أو إجراء اتصالات هاتفية بالناخبين وتنظيم حشود من دون التقيد بالقواعد الحكومية.
وتم تقييد «فترة الانتخابات» الرسمية في كندا الآن بـ50 يوماً قبل يوم الانتخابات، إضافة إلى نحو شهرين قبلها هي بدعة «فترة ما قبل الانتخابات». وأثناء «فترة ما قبل الانتخابات»، وهو مفهوم ليس وراءه منطق ديمقراطي باستثناء الرغبة في السيطرة على النشاط السياسي، وتتم معاملة من يُطلق عليهم «الطرف الثالث» بريبة شديدة كما هو الأمر أثناء فترات الانتخابات المقيّدة بشدة. ولا يجوز للجماعات أو الأفراد إنفاق أكثر من 700 ألف دولار على «الأنشطة الحزبية» و«الإعلانات الحزبية» أثناء هذه الفترة، ويجب التسجيل مباشرة لدى الحكومة بعد إنفاق أول 500 دولار. وتتوقع أوتاوا تقديم قائمة مفصلة بالإيرادات والنفقات كافة، بما في ذلك تاريخ ومكان كل محاولة لتغيير آراء الناخبين!
وبفضل هذه التعديلات وغيرها، أصبح الآن «قانون الانتخابات الكندي» طويل جداً، وعلى أي كندي يخطط لتقديم أي مساهمة أو محاولة لإقناع مواطنيه أو زملائه للتصويت بطريقة أو بأخرى في انتخابات العام المقبل أن يتواصل مباشرة مع فريق من المحامين والمحاسبين، لأنه ببساطة ليست هناك طريقة أخرى للإبحار عبر هذه الأدغال القانونية الكثيرة التي تحكم المشاركة الديمقراطية اللصيقة بالانتخابات الكندية. ومن ينتهك القواعد يمكن أن يتوقع غرامات بآلاف الدولارات.
* محلل سياسي من فانكوفر
يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»