في اعترافات متطرفين وإرهابيين ينتمون إلى جماعات وتنظيمات تنتشر في بلدان عديدة، وردت كلمة الاستحلال كثيرا، معطوف عليها حديث عن سلب الأموال، ونهب الممتلكات بغية الحصول على تمويل بأي ثمن، لاسيما لدى الجماعات المحلية، التي لا تتوافر لها مصادر مساعدة من جهات أجنبية، ولا يتبناها سرا بعض الموسرين الموالين لما تسمى «السلفية الجهادية».
فقبل أن تتصل الجماعات الإرهابية بالعولمة مع ثورة الاتصالات، وهجرة العنف إلى كافة أرجاء الأرض، كانت تهاجم بنوك ومصارف ومحلات ذهب مملوكة لمواطنين عاديين، وتستولي على كل ما فيها من مصوغات مشغولة لبيعها وشراء أسلحة أو تدبير نفقات أخرى تحتاجها في القيام بعمليات إرهابية، أو نشر أفكارها المتطرفة في ربوع المجتمع.
ففي تسعينيات القرن العشرين، كانت محلات الذهب المملوكة للمسيحيين في مصر مستباحة من قبل تنظيمي «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد». وطيلة السنوات الفائتة لجأت بعض الجماعات العنيفة في الصومال إلى القرصنة في المحيط الهندي لتوفير أموال تنفقها على مختلف أنشطتها. وفي أواخر عام 2014 تم القبض على خلية إرهابية في المغرب، مكونة من مغربي وجزائري وفرنسي، بعد نجاحها في السطو على أموال من مؤسسات مالية بفرنسا عن طريق النصب بهدف تمويل عملياتهم الإرهابية وتهجير مجندين من المغرب وفرنسا للالتحاق بـ«داعش». وقد كان هؤلاء يتقدمون إلى بنوك فرنسية بأوراق مزورة تخص شركات وهمية، من أجل الحصول على قروض مالية. وإلى جانب مداخيله من فرض فدى مالية باهظة لتحرير الرهائن الأجانب الذين اختطفهم، وفرض الضرائب والجمارك والجبايات، وتلقي أموال من أجهزة استخبارات، يشكل «الاستحلال» المبدأ الرئيسي لدخل تنظيم داعش، حيث يفتح أمامه باب النهب والسلب.
فقد دأب التنظيم على الاستيلاء على بعض المؤسسات والمصالح الخدمية، كالمستشفيات ومرافق المياه والكهرباء، وكذلك على بعض المحال التجارية والمطاعم، ونهب ما بها من مؤن وسلع وموارد، أو إدارة التنظيم لها، وتحصيل عوائدها. ويغير التنظيم على بعض القرى والمدن، ويستولي على ما يجده نافعا له، بدعوى أنها «غنائم حرب»، وفي مقدمة هذا سرقة البنوك، مثلما جرى مع بنك الموصل، وخزائن الشركات الكبرى. وتباع البضائع والمواد غير العسكرية في أسواق محلية لبيع المسروقات، وكان يُسمح لمسلحي التنظيم بشراء هذه البضائع بنصف ثمنها. ويمكن للناس أن يشتروا أي شي مما تم نهبه، بدءا من السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث وأبواب المنازل والنوافذ وصولا إلى الماشية وقطعان الضأن.
كما استولى التنظيم على آبار نفطية في العراق وسوريا، وهرب محتواها وباعه في السوق الدولية السوداء بأثمان أقل من السعر العالمي الذي حددته «أوبك»، ما جعل كثيراً من التجار، بل من الدول تقبل على نفط «داعش»، بما سهّل للتنظيم أن يجعل منه مصدراً أساسياً للدخل في الأماكن التي أعلن قيام دولته فوقها. وهناك تقديرات بينت أن «داعش» كان يحصل على ثلاثة ملايين دولار يومياً من هذا المصدر، قياساً إلى ما أظهرته صور ملتقطة من الفضاء والطائرات الحربية تظهر ضخامة حجم تجارة النفط غير الشرعية تلك، إذ إن قافلة واحدة من الشاحنات الناقلة للنفط من سوريا امتدت إلى عدة كيلومترات.
واستحل التنظيم أيضا تجارة الآثار بعد استيلائه على مناطق أثرية كبرى في سوريا والعراق، وقام بتفكيكها، بدعوى أنها أصنام، يمكن أن تعبد من دون الله. وقام بتسجيل فيديوهات والتقاط صور، تظهر تحطيمه لهذه الأماكن، بينما هو في حقيقة الأمر قام ببيع كل ما عثر عليه فيها إلى تجار آثار كبار، وإلى دول معنية بالاستيلاء على بقايا الحضارات القديمة على أرض العرب.
أما استحلال الأعراض فقد مارسه «داعش» بإفراط، في الأماكن التي سيطر عليها، واستحل نساءها، لاسيما من الأيزيديات بدعوى أنهن سبايا أو غنائم حرب، ومن ثم طرحهن للبيع في سوق النخاسة، الذي أقامه لهذا الغرض.
وهناك نوعان من الاستحلال تبنتهما الجماعات والتنظيمات الإرهابية، الأول هو استحلال مال الأفراد المخالفين، في الدين أو في المذهب أو في الجماعة. والثاني هو استحلال المال العام عبر عمليات السطو على البنوك وخزائن مصالح حكومية إلى جانب التزوير والتزييف سواء لعملات أو لمستندات.
وتستعمل هذه التنظيمات تلك الأموال المسروقة في شراء الأسلحة، وتسهيل مهام عناصرها للقيام بعمليات إرهابية، وشراء الضمائر والذمم في عملية تجنيد العملاء في المؤسسات الرسمية وغيرها، إلى جانب الإنفاق على الحياة الخاصة لقادة التنظيمات.