كالعادة مع نهاية كل عام منصرم، وبداية كل عام جديد، كثرت التفسيرات والتقييمات حول ما حدث في عام 2018 وكذلك التنبؤات والتكهنات حول ما قد يحدث في عام 2019. وعوضاً عن استعراض قائمة مطولة من الأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية، اخترت أن أركز على حدثين، أحدهما دولي، والآخر إقليمي، أزعم أنهما سيكونا علامتين مميزتين لعام 2019، بل قد يحددان مصيره، رغم أنهما قد يبدوان حدثين داخليين أكثر منهما خارجيين.
الأول هو ما يحدث في واشنطن، ليس فيما يتعلّق مباشرة بالسياسة الخارجية الأميركية، ولكن ما هو شأن داخلي صرف، أي العلاقة بين البيت الأبيض برئاسة ترامب، وبين الكونجرس الأميركي الذي أصبحت إحدى غرفتيه (النواب) في قبضة الديمقراطيين. ومفتاح فهم هذه العلاقة هو ما أراده المؤسسون الأوائل من أن يكون الدستور الأميركي والممارسة السياسية الأميركية انعكاسين لديمقراطية تم تصميمها في القرن الثامن عشر لتكون مختلفة عن الديمقراطيات القديمة في أوروبا، بما في ذلك إنجلترا نفسها، مهد الديمقراطية والقوة التي استعمرت أميركا.
قامت تلك الديمقراطية الأميركية الوليدة والمختلفة، على تقاسم حقيقي للسلطة بين الكونجرس والبيت الأبيض. وقد تشرَّب الإنسان الأميركي هذه القسمة في تصويته البرلماني في منتصف مدة الرئيس، بحيث يضمن ألا تكون الأغلبية البرلمانية من حزب الرئيس، وهو ما حدث في نوفمبر 2018، حيث فاز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس النواب.
المبدأ سليم، لكن عندما لا يكون هناك التعاون المنشود بين البيت الأبيض والكونجرس، لا يحدث التوازن بل الشلل. ومؤخراً أُغلقت المصالح الفيدرالية في واشنطن ليتم حرمان 800 موظف من مرتباتهم. والخلاف على تمويل الحائط الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، ما هو إلا أحد الأعراض.
وهنا يثار السؤال: ما تأثير هذا الصراع الداخلي على السياسة الخارجية الأميركية حيال منطقتنا؟
سيكون الجهاز التنفيذي مشغولاً أكثر وأكثر بصراعاته الداخلية وليس عنده الوقت لإدارة السياسة الخارجية، وإذا تأكدت بعض الشائعات عن اضطرار ترامب للاستقالة، فالشلل الداخلي وتوابعه سيؤديان بالضرورة إلى فراغ خارجي وحتى ممارسات أميركية متعارضة يصعب فهمها والتعامل معها. فلنستعد من الآن لهذه الفوضى المحتملة.
الحدث الثاني إقليمي، ويتعلق بما يحدث في سوريا. قد يكون هناك تشكك على أهمية هذا البند خلال عام 2019 على أساس أن الموضوع تم حسمه. وقد يكون هذا صحيحاً من الناحية العسكرية فقط، حيث انتصرت قوات بشار الأسد وحلفاؤه، بل يتم أيضاً العمل على تأهيله للعودة لجامعة الدول العربية.
ولكن ألا ينفي كل هذا أن ما أسميته «الحرب الكبرى» باقية؟ و«الحرب الكبرى» تبدأ باستعادة سلطة القرار داخلياً، وليس بموجب فرضه من الخارج، سواء أكان روسيا أو إيران أو «حزب الله»، وسيكون هذا أساس استعادة نظام بشار الأسد لشرعيته، وليس بقاؤه فقط بفضل القوة المسلحة.
وهناك بالطبع إعادة البناء، والتي تتكلف حسب بعض التقديرات ما بين أربعمائة وخمسمائة مليار دولار.
وإذا كان بناء الحجر ممكناً، فإن استعادة البشر مستحيلة، بداية من حوالي نصف مليون قتلوا، وضعفهم ممن يعانون الإعاقات الجسدية والنفسية، ثم هناك نحو أحد عشر مليوناً (أي نصف السكان) نازحين داخلياً ولاجئين خارجياً، ويتعين العمل على إعادة إدماجهم.
في هذه «الحرب الكبرى» التي تبدأ عام 2019، سيضطر بشار إلى إعادة حساباته السياسية، وربما لتغيير حلفائه والاعتماد على أشقاء لمساعدته في البناء، وهذه فرصة الدول الخليجية لتغيير المعادلة السياسية الداخلية والخارجية في سوريا.
الشأن السوري إذن سيبقى في أولويات عام 2019 كجزء أساسي من أهمية منطقتنا ككل في عام يبدأ.