يستقبل العالم سنة ميلادية جديدة بآمال متجددة في أن يسود السلام والاستقرار كافة شعوب الأرض. لكن هذا الهدف يظل بحاجة للسعي من أجل تحقيقه. وتماهياً مع اعتماد قيادة دولة الإمارات عام 2019 عاماً للتسامح، وبالاتساق مع ما اعتدنا عليه من تآلف ومشاركة للطوائف المسيحية احتفالاتها بأعياد الميلاد المجيد، كانت القيادة سباقة في القيام بمبادرة حضارية تضاف إلى رصيد المنطقة، تمثلت في تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد. وهي المناسبة التي تحتفل بها كل عام شريحة واسعة من المقيمين في الدولة، سواء من العاملين أو الزوار. ويحق لنا أن نفخر بأن قيادة بلدنا تمثل لنا وللآخرين قدوةً حضاريةً في تجسيد قيم التسامح والتعايش مع أتباع العقائد والأديان الأخرى. هذا النهج الإنساني الحكيم تتمثله القيادة لينعكس لدى المواطنين والمقيمين بشكل إيجابي، ويعمل على تعميق القيم الحميدة والتقاليد العريقة في أوساط المجتمع.
لدينا في الإمارات خصوصية أخرى، وهي أن الشعب الإماراتي بأكمله يدين بالإسلام، ورغم ذلك نتميز على البلدان التي لديها بالفعل تنوع ديني بسعينا لتأكيد التسامح والانفتاح في المجتمع. فأصبح التعايش مع أتباع العقائد والأديان الأخرى سلوكاً طبيعياً. بينما تزداد الصدامات الطائفية في بلدان لم تنجح في تحقيق الحد الأدنى من التسامح والقبول المتبادل بين مكوناتها الوطنية المختلفة دينياً. كما يتعزز نهج الانفتاح من خلال جهود قيادة الإمارات التي تعمل بدأب ومثابرة على توطين القيم الإنسانية المشتركة. ومع صدور توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإعلان 2019 «عام التسامح»، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، نريد لدولة الإمارات أن تكون المرجع العالمي الرئيسي في ثقافة التسامح وسياساته وقوانينه وممارساته، لأن «التسامح يزيدنا قوة ومنعة.. ويرسخ مجتمعاً إماراتياً عالمياً وإنسانياً».
وفي إطار نهج الإمارات المنفتح، تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية التهنئة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، والتي خص بها سموه المسيحيين بمناسبة عيد الميلاد المجيد، قائلاً: «من أرض التسامح والمحبة والتعايش.. نهنئ المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، متمنين لهم الخير والسعادة والأمان في كل أنحاء المعمورة، ليعم السلام بين شعوب العالم.. تعزيز قيم التسامح نهج أصيل في دولة الإمارات، إيماناً منّا بأنها من أهم ركائز تقدم الأمم وتحضرها على مر العصور».
وعندما تكون قيادة الدولة بمثل هذا الوعي الرائد، نثق كثيراً بأن القيم الجميلة سوف تكون رافعة لمزيد من الازدهار مستقبلا. لذلك نقول للمتطرفين: ابقوا على غلوكم، وستبقى الإمارات على انفتاحها وتطلعها نحو مستقبل يعمه الخير والسلام والتقدم للبشرية.
في السياق ذاته، ونظراً لما تتمتع به الإمارات من تطور في ملف التعايش الديني، سوف تكون الدولة على موعد مع زيارة استثنائية لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، في مطلع فبراير القادم. فقد أصبح فتح ملف التعايش مع المختلف عقائدياً من القضايا التي تتكرر كل عام، خصوصاً مع الاحتفال برأس السنة الميلادية، حيث تظهر مجدداً الفتاوى الشاذة والغريبة المتعلقة بحرمة تهنئة المسيحيين بعيد ميلاد المسيح. رغم أن الدين الإسلامي لا يمنع معاهدة المسالمين والإيمان بالرسالات السماوية السابقة. كما أن قراءة التاريخ تشير إلى أن أزهى عصور المسلمين كانت تلك التي امتازت بالتسامح والاستفادة من كافة العناصر البشرية للدولة. ولا ننسى أن اليهود والمسيحيين كانوا من أركان العمل الإداري والمالي في فترات ماضية من التاريخ الإسلامي.
وقد أجاز مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم، لما فيه من مصلحة عامة، واستناداً إلى سماحة الإسلام النقي قبل أن يتطفل عليه الظلاميون. كما أن أبسط حقيقة يجب التعاطي معها بعقل منفتح في هذا العصر، هي أننا لا نعيش بمفردنا على هذا الكوكب، وأن البشرية بحاجة للتعاون وتبادل المنافع وتحقيق الاستدامة للموارد وترسيخ فرص السلام والتعايش لمواجهة التحديات الإنسانية المشتركة.

*كاتب إماراتي