استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تؤسس لبناء قطاع صناعي وطني متطور وقادر على لعب دور محوري في تحقيق التنمية، من منطلق إدراكها لأهمية هذا القطاع في قيادة التقدم الاقتصادي في أي دولة، لما يتميز به من خصائص لا تتوافر لغيره من قطاعات، سواء لما يترتب عليه من ارتفاع حجم القيمة المضافة، خصوصاً ما يطلق عليها الصناعات التحويلية والاستراتيجية، أو ما يتعلق باعتماده على التكنولوجيا المتقدمة، خاصة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي باتت تقوم بدور رئيس في الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم اليوم. ولعله من المؤشرات المهمة التي تم إعلانها مؤخراً، وتعكس التطور الكبير الذي شهده هذا القطاع، ما يتعلق بحجم الاستثمارات، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنها بلغت 480 مليار درهم تقريباً في نهاية العام الجاري 2018، وتشمل جميع الصناعات الموجودة في الدولة، بما فيها الاستثمارات الصناعية بالمناطق الحرة، الأمر الذي يؤكد محورية هذا القطاع ضمن الرؤية التنموية المستقبلية للدولة، باعتباره القاطرة التي تقود الاقتصاد الوطني، حيث يعوّل على هذا القطاع في تنويع هيكل الاقتصاد الوطني ومصادر دخله، من أجل إبعاده تدريجياً عن الاعتماد على القطاع النفطي، حيث تستهدف «استراتيجية التنمية الصناعية 2030» تعزيز مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات إلى 20% بحلول عام 2030، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل الصناعات المرتكزة على الاختراعات، وتحقيق نسبة مساهمة للابتكار في الناتج غير النفطي للدولة 5% بحلول عام 2021. في الوقت ذاته، فإن أهم ما يميز هذه الاستراتيجية أنها تتضمن برنامجاً للتكامل بين مختلف المناطق الصناعية في الدولة، وتعظيم نقاط الاستفادة والقوة والميزة النسبية لكل منطقة، وتوحيد الإجراءات الخاصة بالاستثمار في قطاع الصناعة، فضلاً عن تعديل بعض الإجراءات الخاصة بالاستثمار، وإصدار التراخيص الصناعية واختصارها بالدمج، للتسهيل على المستثمرين. ومن التطورات الإيجابية التي شهدها هذا القطاع أيضاً تزايد عدد المناطق والمدن الصناعية، فقد شيدت الإمارات في نهاية العام الماضي (2017) 36 منطقة ومدينة صناعية متنوعة ومؤهلة بمرافق البنية التحتية والطرق والمدن العمالية ومجمعات المكاتب الحديثة والطاقة، بهدف تأسيس صناعات محلية قادرة على المنافسة واستقطاب الاستثمارات، منها 7 مناطق في أبوظبي و6 في دبي و19 بالشارقة، إضافة إلى المنطقة الصناعية في عجمان والمنطقة الصناعية بأم القيوين، والمنطقة الصناعية في الفجيرة والمنطقة الصناعية والتكنولوجية الحرة في رأس الخيمة، وهذه المناطق لا شك في أنه تنطوي على مردود تنموي كبير، سواء لجهة المساهمة في تعظيم القدرات التصديرية للدولة، خاصة من منتجات البتروكيماويات والحديد والإسمنت، أو لجهة جذب مزيد من الاستثمارات للمساهمة في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
تمتلك دولة الإمارات كل المقومات التي من شأنها الارتقاء بالقطاع الصناعي، وجعله قاطرة التنمية الشاملة والمستدامة في مرحلة ما بعد عصر النفط، التي تستهدف إقامة اقتصاد قائم على المعرفة، ولعل أهم هذه المقومات توافر بنى تحتية متنوعة وبنية تكنولوجية، بما فيها الموانئ والمطارات الدولية والمستودعات اللوجستية المزودة بأحدث التكنولوجيات والكوادر البشرية، والتي تضمن استدامة التطور في هذا القطاع. كما طورت الحكومة منظومة تشريعية وتنظيمية تتسم بالمرونة والكفاءة، تضمن حماية حقوق المستثمرين، واستطاعت أيضاً توظيف موقعها الجغرافي المتميز، الذي يتوسط أقاليم العالم أجمع، فجعلت من نفسها مركزاً للتجارة والأعمال، وبوابة للأسواق الإقليمية، وحلقة وصل فيما بين هذه الأسواق من ناحية والأسواق العالمية من ناحية أخرى، وبفضل كل هذه المقومات والجهود نجحت الإمارات في إيجاد بيئة استثمارية مواتية، قادرة على استيعاب مختلف الأنشطة الصناعية بكل تفاصيلها وتنويعاتها، بما فيها الصناعات المتقدمة والاستراتيجية التي تعتمد في مراحلها المختلفة على التكنولوجيا الحديثة، وبالشكل الذي يواكب «رؤية الإمارات 2021»، و«مئوية الإمارات 2071»، اللتين تستهدفان العمل على بناء اقتصاد غير نفطي مستدام ومتنوع، يقوم على المعرفة والابتكار، مع تقليص دور العائدات النفطية، وصولاً بالدولة إلى مصافّ الدول المتقدمة في قطاع الصناعة.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.