هناك من يرى أن الانسحاب سيتسبب في فراغ كبير ستستغله الجماعات الإرهابية، وكل السيناريوهات مثيرة للقلق وتتضمن تزايدا في جرأة تركيا أو إيران

دومنيك سوجيل*

فاجأ إعلان الرئيس دونالد ترامب الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية من سوريا الحلفاء والخصوم على السواء. ورد فعل كثير من مقاتلي المعارضة السورية الذين تحالفوا مع القوات الأميركية في ميادين القتال كان سريعاً ومفعماً بالمخاوف. فقد أذهل الإعلان المتمردين العرب السوريين الذين يقاتلون مع الأميركيين ضد «داعش» بالقرب من منطقة «التنف» الاستراتيجية في جنوب شرق سوريا. وتعجب أحد هؤلاء، وهو زعيم قبائلي اشترط عدم نشر اسمه، من تخلي الولايات المتحدة عن المتمردين بهذه الطريقة، قائلاً إن المتمردين العرب كانوا في الأساس تحت حماية الأميركيين أما الآن فقد أصبحوا تحت رحمة النظام السوري والروس.
وأشاع نبأ إعلان الانسحاب حالة من الخوف والاضطراب وسط الأكراد. وكانت القوات الأميركية قد دخلت سوريا للمرة الأولى في نهاية 2015. وبدأ الانتشار بخمسين جنديا ثم أصبح العدد رسميا نحو 2000 جندي وأنشؤوا «قوات سوريا الديمقراطية» وهي تحالف من المقاتلين الأكراد والعرب السوريين مهمتهم القضاء على «داعش»، وأصبح حضور القوات الأميركية عاملاً مساعداً أيضاً في مساعي احتواء إيران التي تدعم النظام الحاكم. والمنطقة الكردية على امتداد الحدود الشمالية السورية خارج نطاق سيطرة النظام السوري الحاكم. فقد انسحب النظام السوري، في عام 2012، من ثلاث مناطق تسكنها أغلبية كردية في شمال سوريا. وبعد عامين قدمت هذه المناطق نفسها على أساس أنها تتمتع بحكم ذاتي بحكم واقع الحال. ويهيمن الأكراد على «وحدات حماية الشعب» في شمال شرق سوريا ويمثلون أيضاً العمود الفقري لـ «قوات سوريا الديمقراطية» رغم أنهم لا يمثلون غالبيتها من حيث العدد.
وتركيا، وليس داعش ولا خلاياها النائمة، هي الخطر الأكبر بالنسبة للأكراد في شمال شرق سوريا. وأنقرة تعتبر تحالف أميركا مع الأكراد تهديداً وجودياً على أعتابها. وشنت تركيا عمليات عسكرية في سوريا في صيف عام 2016 للتخلص من داعش ووحدات حماية الشعب الكردية على السواء.
وفي مدينة «الباب» السورية الخاضعة لسيطرة تركيا، توقع مقاتلون عرب متحالفون مع أنقرة حدوث معارك في عين العرب وتل أبيض ومنبج ورأس العين والقامشلي. وأوضح أحد هؤلاء المقاتلين أنه من المحتمل أن تبرم تركيا والنظام السوري اتفاقا يسيطر بموجبه النظام السوري على إدلب وتسيطر تركيا وحلفاؤها على منبج ومناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية لتركيا.
ويرى «كانوار حسن» من «مركز الفرات للدراسات» ومقره القامشلي أن الانسحاب الأميركي إذا تحقق، سيجعل منطقة شرق الفرات تشهد تغيرات كبيرة في توازن القوى. ويعتقد «حسن» أن تخلي واشنطن عن قوات «سوريا الديمقراطية» وحلفائها يفتح الباب أمام سيناريوهات وتحالفات جديدة. ومن السيناريوهات الواقعية المحتملة التي تتعلق بمصير منطقة شرق الفرات يتمثل في إجراء محادثات بين دمشق و«قوات سوريا الديمقراطية» لملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة وتحييد التهديدات التركية.
وهناك من يرى أن الانسحاب سيتسبب في فراغ كبير ستستغله الجماعات الإرهابية وأبرزها «داعش»، وكل السيناريوهات المحتملة بعد الانسحاب الأميركي مثيرة للقلق، وتتضمن تزايدا في جرأة تركيا أو إيران. كما أن توقيت إعلان الانسحاب جاء مفاجأة، لأنه يتناقض مع تصريحات أدلى بها مسؤولون من الإدارة الأميركية. فقبل يومين فقط من إعلان ترامب، حدد «جيمس جيفري» المبعوث الأميركي الخاص بشأن سوريا أهداف تواجد القوات الأميركية وهي التخلص من «داعش» وإنهاء النفوذ والتوسع الإيراني في سوريا، والتوصل إلى حل سياسي، يضمن الاستقرار في سوريا والمنطقة. لكن قرار الانسحاب جاء قبل تحقيق أي من هذه الأهداف. ويعتقد سعدون أن الأميركيين لا يدركون أن صعود «داعش» مرة أخرى ربما سيكون أسوأ أثرا بكثير.
*صحفية مقيمة بإسطنبول متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»