ظلت النخب الأميركية، ولعقود، تجمع على الاعتقاد أن تأييد النظام العالمي الليبرالي هو في صالحنا. والآن، نشهد ظهور محور يساري يميني جديد حول الحمائية والانعزالية، أي نفس السياسات التي أدى فشلها خلال ثلاثينيات القرن الماضي إلى الإجماع الدولي في فترة ما بعد الحرب.
لقد شن الرئيس ترامب حروباً تجارية وأضعف حلفاء أميركا. وماذا عن الديمقراطيين؟ ليس لديهم الكثير من السياسة الخارجية، وعندما يقترحون سياسة، فإنها تبدو وكأنها سياسة ترامبية خاصة باليسار! فمثلا كتبت عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية «اليزابيث وارين» في مجلة «فورين أفيرز»: «فيما نجحت السياسات الاقتصادية الدولية والصفقات التجارية بشكل جيد جداً بالنسبة للنخب في جميع أنحاء العالم، فإنها تركت العاملين يشعرون بالإحباط وعدم الرضا. وأدت الجهود الرامية لتعزيز أمن الولايات المتحدة إلى استهلاك موارد ضخمة وزعزعة استقرار مناطق بأكملها، فيما تآكلت الهيمنة التكنولوجية الأميركية.. لكننا نكافح، ونحن بحاجة لاتِّباع سياسات اقتصادية دولية تفيد جميع الأميركيين، وليس مجرد النخبة».
كيف يختلف هذا عما يقوله ترامب؟ إن الجناح التقدمي من الحزب الديمقراطي على استعداد للتخلي عن التجارة الحرة، كالحزب الجمهوري، وعلى استعداد لانتقاد إنفاق الأموال المخصصة لبناء الدولة في الخارج.
وفي سبتمبر الماضي، قال السيناتور الديمقراطي «بيرني ساندرز»: «إن التدخل الأميركي واستخدام القوة العسكرية الأميركية قد أدى إلى عواقب غير مقصودة تسببت في أضرار لا حصر لها». لن يقدم الديمقراطيون ولا الجمهوريون حجة تستند إلى المبادئ لبناء الدولة الذي يجريه عدد صغير من الجنود والدبلوماسيين وعمال الإغاثة، وبكلفة أقل بكثير من كلفة التعامل مع الإرهاب والجريمة والأمراض في المناطق المضطربة.
وكتبت وارين: «يجب أن نشجع حلفاءَنا على تعزيز تعاونهم متعدد الأطراف وبناء بدائل لدبلوماسية الصين القسرية». هذه فكرة عظيمة، باستثناء أن وارين تعارض، مثل ترامب، البديل الأكثر فعالية للهيمنة الاقتصادية الصينية، أي اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.
ورغبة وارين في مساعدة الحلفاء لا تمنعها من المطالبة بجلب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق. وسيكون من المثير للاهتمام اكتشاف كيف توفق استراتيجية الخروج هذه مع دعمها لـ«حقوق الإنسان في الخارج»، نظراً لأن خروج القوات الأميركية سيكون بمثابة نعمة لمنتهكي حقوق الإنسان، مثل «داعش» و«طالبان». بيد أن وارين لا تواجه أبداً التناقض الواضح.
وكما هو الحال مع ترامب، فإن قادة الديمقراطيين ينخرطون في التمني من خلال تخيلهم أنه إذا قدمت الولايات المتحدة مساعدات أقل، سيبذل حلفاؤنا المزيد. والأرجح أن يكيفوا أنفسهم مع الدول العدوانية أو يتخذوا إجراءات مزعزعة للاستقرار مثل الاستحواذ على أسلحة نووية.
وكما هو الحال مع الرئيس، ليس لدى ساندرز ووارين الكثير ليقولاه عن الانتهاكات المروعة التي يرتكبها أعداء الولايات المتحدة. وكما هو الحال مع ترامب الذي يلقي باللوم على الرئيس السابق باراك أوباما والمستشار الخاص روبرت مولر، كونهما السبب في العلاقات السيئة مع روسيا، يبدو للديمقراطيين وكأن العديد من مشكلات العالم خُلِقَت في أميركا بدلا من موسكو أو طهران أو بكين!
إذا أراد الديمقراطيون رؤية للسياسة الخارجية مناسبة لقوة عظمى، يتعين عليهم تجاهل ساندرز ووارين، وبدلا من ذلك، قراءة المقال الذي كتبه «جيك سوليفان»، مستشار هيلاري كلينتون السابق للسياسة الخارجية، في مجلة «ذي أتلانتيك». فهو ينادي بسياسة «الاستثنائية الأميركية» متمثلة في العمل من أجل الصالح العام العالمي ومصلحتنا الذاتية الوطنية.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»