تثار تساؤلات عديدة هذه الأيام حول أسواق المال الخليجية، ففي الربع الأخير من كل عام تشهد الأسهم الخليجية ارتفاعات بسبب إقدام المستثمرين على عمليات التداول، استعداداً لتحقيق أرباح مجزية، سواء من خلال مضاربات المستثمرين العابرين، أو من خلال توزيعات الأرباح، والتي كانت جيدة على مدار الأعوام العشرة الماضية للمستثمرين طويلي الأجل.
في هذا العام تبدو الصورة مغايرة، ما أوجد حيرة تبحث عن إجابات لمعرفة حقيقة الأوضاع والآفاق المستقبلية، خصوصاً أن البورصات الخليجية حالها حال بورصات العالم تضم فئات من مختلف شرائح المجتمع، إضافة إلى المؤسسات المالية والاستثمارية من داخل دول المجلس وخارجها، إذ من المعروف أن أسواق المال الخليجية أضحت أكثر انفتاحاً على الخارج في الأعوام الماضية.
بالتأكيد، هناك أسباب عديدة، بعضها داخلي، والآخر يرتبط بعوامل خارجية، كما أن بعضها اقتصادي موضوعي، والآخر جيو-سياسي، حيث يمكن التطرق لبعض هذه الأسباب بصورة سريعة في مثل هذه المقالة القصيرة، فالاقتصادات الخليجية لا زالت ترتبط وبقوة بسوق وأسعار النفط، والتي تحوم حولها الضبابية وعدم الاستقرار، بدليل تأرجحها المتكرر وانخفاضها من 85 دولاراً للبرميل إلى 50 دولاراً، وبنسبة انخفاض كبيرة بلغت 41% في أقل من شهرين.
وبما أن البورصة هي انعكاس لبقية القطاعات الاقتصادية، فإن التأثر الشديد لبعض القطاعات، كالقطاع العقاري المتراجع في بلدان العالم كافة، وليس في الخليج وحدة قد ترك بعض الآثار على أسهم الشركات العقارية، والتي تعتبر رائدة في المنطقة، ما أثر بدوره على أسعار أسهم بقية القطاعات الرئيسة الأخرى المرتبطة بقوة مع العقار، كالبنوك وشركات التطوير والبناء.
إلى جانب ذلك، يلاحظ انخفاض السيولة في حجم التداولات، والتي ترجع إلى أسباب عديدة، منها عمليات التخارج لبعض الشركات المالية لحسابات خاصة بها، وكذلك انخفاض حجم السيولة لدى المستثمرين الصغار نتيجة لتزايد الالتزامات الخاصة بهم، إضافة إلى عمليات المضاربات المحمومة السابقة في فترات زمنية قصيرة على بعض الأسهم، والتي قللت من شهية المستثمرين، وتطلبت المزيد من التشريعات والأنظمة لتطوير البنية التشريعية والقانونية للبورصات الخليجية.
أما العوامل الجيو-سياسية في منطقة الخليج العربي، فإن لها دوراً فعالاً للغاية في التأثير على أمزجة المستثمرين، وبالأخص الأجانب، والذين يشكلون جزءاً مهماً من مجموع المتعاملين، على العكس من الوضع قبل عقد من الزمن عندما كانت هناك الكثير من القيود على هؤلاء المستثمرين. فالأزمات في المنطقة متعددة ومعقدة للغاية، ما وضع منطقة الخليج في الخانة الرمادية بالنسبة للأفراد والمؤسسات المالية الخارجية، حيث يلعب الإعلام الخارجي دوراً سلبياً في تقديم صورة مبالغ فيها للأوضاع. كما أن التقارير الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي الذي نشر الأسبوع الماضي، والتي تتحدث عن قرب حدوث أزمة عالمية عميقة في الفترة القادمة بسبب العديد من العوامل، بما فيها حجم الديون العالمية، والحرب التجارية قد تركت آثارها على بورصات البلدان كافة، بما فيها الخليجية.
للأسف يحدث ذلك في ظل أوضاع اقتصادية خليجية مستقرة تحقق فيها العديد من أسهم الشركات المدرجة أرباحاً كبيرة، كما تحقق الاقتصادات الخليجية نسب نمو جيدة تعتبر من أفضل معدلات النمو في العالم، في الوقت الذي انضمت فيه معظم البورصات الخليجية لمؤشر الأسواق الناشئة، بما فيها السوقان السعودي والكويتي اللذان سبقهما في هذه الترقية سوقا الإمارات، حيث كان لذلك انعكاسات إيجابية على أداء هذه الأسواق.
إذن هناك تفاوت بين حقيقة الأوضاع الاقتصادية وأداء البورصات الخليجية، فالعوامل التي تطرقنا لها يمكن أن تؤثر سلبياً على أداء هذه الأسواق المالية، إلا أنه ليس بالمستوى المبالغ فيه الذي يحدث حالياً، ما يعني أن تجاوز بعض هذه الظروف سيوفر فرصاً استثمارية جيدة، ويعيد الحيوية لهذه الأسواق المالية.