حينما تعقد العزم على أن ترى شروق الشمس وغروبها، من امتداد بعيد للسماء التي تغطي سقف بيتك، وتطلق عنانك للحياة والسعادة، وتنوي أن تعايش أخاك الإنسان، طامعاً بأن يثري تنوعه ثقافتك المتعطشة دائماً، تغرب شمس ذلك اليوم على أصوات سيارات الشرطة، ونسمات الذعر، وتحضير مراسم الدفن، هذا كله وأكثر لا يألفه أي منا، ولا تتقبله غريزته السليمة، ولا يمكن أن يحدثه «إنسان»، باستثناء ذوي العقول المشوهة، الذين امتدت أياديهم القذرة لاغتيال فكر وحضارة وسلام بل وأرواح.
ما تعرضت له الشابتان الإسكندنافيتان، في المغرب مؤخراً، هو بمثابة طعنات في جسد الإرهاب الواهن، وفضيحةً لمنظومته اللاأخلاقية الفاسدة، أكثر مما يكون شيئاً آخر ولو أن كل التعازي لا توفي بالغ أسى كل من تنطبق عليه معايير الإنسانية، لما في ذلك من زعزعة نفسية وأذى روحي أكثر عمقاً من طعنات سكاكينهم الغادرة.
إن العمليات الإرهابية الغاشمة التي تنفث سمها في أجساد الأوطان الطاهرة، كالمذكورة آنفاً أو ما حصل بالاعتداء على سياح الأقصر في الشقيقة مصر أو ساحة جامع الفناء في المغرب وفي تونس الشقيقة أيضاً وغيرها من قتل للسياح أو السفراء، كلها جرائم تشترك في بشاعتها وتدوس على كل المعاني والقيم السامية، لتثبت لنفسها على الأقل بأنها قادرة على الاستمرار، وبخاصة في خضم المكاسرة الطاحنة التي تواجهها مع الأيدي البيضاء، التي تضرب بيد من حديد لتكون هنا بمثابة مواجهة الفطرة القلبية مع السقطة العقلية.
ورغم ما أعاثه الإرهابُ من فسادٍ في الأرض، إلا أنه لا يزيد من عقلاء هذا العالم إلا إصراراً وتعجيلاً في بتر هذه الأطراف الفاسدة من جذورها، والمضي قدماً فيما كانت قد شرعت به منذ عهود من ترسيخ لمعاني التآخي والتكاتف والمحبة والسلام، والفوز بجدارة برهانها المثمر من خلال ريّ جذور الجيل الصاعد بالفضائل والمكارم التي جُبلنا عليها، بعيداً عن كل ما قد يشوب المنظومة الأخلاقية والثقافية والتراثية للأمم من كراهيةَ أو استعلاء أو احتقار للأديان أو المذاهب المغايرة.
إن المطروح اليوم أكثر من أي وقت مضى، بات معروفاً للصغير قبل الكبير من ضرورة طرق مخالب الإرهاب بسندان العدالة، وبشكل قاطع ونهائي وبلا تهاون أو تساهل في وأد هذا الفكر الحاقد الممزق لجسد السلام العالمي، من خلال المنابع الخيرة في المؤسسات العلمية من الجامعات والمقررات، والمنابر الإعلامية وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي لما لها من تغلغل في البناء الفكري والنفسي للأجيال الغضة، للوقوف في وجه فكر الكراهية والتعصب والحقد على الآخر المختلف.
ومما لا مجال للشك فيه أن ما يطالب به اليوم كثير من الشرائح الاجتماعية في وطننا العربي من تنفيذ لحكم الإعدام على القتلة الإرهابيين ومغتصبي الأطفال إنما هو في تطبيقه ردع للمجرمين ورسالة طمأنينة للمواطنين والسياح والمقيمين والسفراء، وهذه الجرائم ترجع إلى الجناية على النفس والمال والعرض والنسب والعقل والدين والنظام العام، فالجناية على النفس تكون بالقتل
أو إتلاف عضو منها.
إن الجهات الظلامية، التي تبيح دماء الإنسان لاختلافه بلون أو جنس أو ديانة أو إحدى فروعها، تجعل من سنة الكون التي فطر الله عليها، سبباً ومبرراً لأفعالها الدنيئة، وتضمر بداخل قوقعتها أهدافاً أخرى فهي كالعنكبوت تحاول أن تخنق الدول بخيوطها، لعزلها، وبكل ما أوتيت من وهن عن الاندماج والتعايش، ومحاولةً منها لقلب معاني الرحابة والاتساع والمحبة، لبيوت معزولة
مكبوتة جاهلة وضالة، ولكن «إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت».