أقامت سفارةُ دولة الإمارات العربية ندوةً بفندق الحبتور ببيروت، بالتعاون مع اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، حضرها كبارُ رجال الدين اللبنانيون من المسيحيين والمسلمين وعلى رأسهم البطريرك الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان. وقدّم سعادة السفير حمد سعيد الشامسي للندوة بكلمةٍ حول علاقة التعارف والمعروف بدولة المواطنة. وهي في لبنان صيغة تعددية يتساوى فيها المواطنون أمام القانون، ويحرص الجميع على المشاركة والتعاوُن.
البطريرك الراعي أشاد بدولة الإمارات باعتبارها نموذجاً لدولة المواطنة والحكم الصالح. وقال مفتي الجمهورية اللبنانية إنه بمناسبة مئوية الشيخ زايد، فإن اقتران التعارُف والمعروف بدولة المواطنة، يكاد يكون قصراً على دولة الإمارات التي أسَّسها زايد، والذي تابعت عمله الجليل والزاهر الأجيال من بعد، إذ من شأن النظام السياسي إقامة نظام العدالة، وهو ما أضافت إليه دولة الإمارات نموذج التعارف والمعروف أو مجتمع الخير والإحسان.
لقد توالى على الكلام، زهاء خمسة عشر متحدثاً، اعتبروا جميعاً أن دولة المواطنة هي الحاضر والمستقبل. وقد انتقد بعض المتحدثين العقبات والعراقيل التي تُوضَعُ في لبنان أمام التحقق الكامل لدولة المواطنة. ولذا تُشكر للسفير الشامسي الدعوة لإقامة هذه المناسبة، لتذكير اللبنانيين بما في أيديهم وما بناه أجدادهم وينبغي أن يحرصوا عليه ويطوّروه.
وذكر بعض الحاضرين أنهم حضروا أخيراً مؤتمراتٍ في أبوظبي، كان البارز فيها ثلاثة أمور: اعتبار الدولة الوطنية، دولة المواطنة، أكبر وجوه مكافحة التطرف والتعصب والعنف، إذ أنّ المواطنين يشاركون جميعاً وعلى قدم المساواة فيها، فتكون قويةً برضاهم وتأييدهم ودفاعهم عن وطنهم ووطنيتهم. أما الأمر الثاني فهو الطابع التعددي لمجتمع المواطنة، وهو أمر ينشر روح التسامح وقبول الآخر، بدليل وجود مئات الجنسيات من العاملين في دولة الاتحاد. بينما يتمثل الأمر الثالث في الحريات الدينية، التي يتمتع بها الجميع، مسلمين وغير مسلمين.
أما الوجهُ الآخرُ لاحتفاء سفارة دولة الإمارات بالدولة الوطنية في مئوية الشيخ زايد، فيتمثل في إقبال كلٍ من رجال الدين الكبار الحاضرين، على ذكْر تجاربهم مع دولة الإمارات، وسفارتها في لبنان. فقد ذكروا، وفي طليعتهم البطريرك والمفتي، أنّ دولة الإمارات منذ عهد زايد وإلى اليوم، ظلت صديقاً كبيراً للبنان، ساعدته وتساعده سياسياً واقتصادياً وتنموياً، وأنّ هناك عشرات الآلاف من اللبنانيين العاملين في الدولة، يتمتعون بكل حقوقهم، فضلاً عن فُرَص العمل الكبيرة التي تتيحُها الإمارات المزدهرة للبنانيين والعرب الآخرين، ومن الجنسيات الأُخرى الكثيرة. فهناك رجال أعمال لبنانيون كُثُر، كما قال المطران الكاثوليكي والآخر الأرثوذكسي، مرت عليهم في الإمارات ثلاثة أو أربعة عقود، وما عرفوا منها غير الخير والرعاية والاحترام.
ما معنى هذا الربط بين رجال الدين والدولة الوطنية أو دولة المواطنة؟ لقد حفلت السنوات الماضية بتحدياتٍ كبرى للدولة الوطنية في العالم العربي. وحصل ذلك باتجاهين: اتجاه الدعوة للدولة الدينية المتطرفة، واتجاه سوء التدبير والإدارة الذي عانت منه معظم الدول العربية. ولبنان من البلدان التي قامت فيها الدولة الوطنية المستقلة منذ أربعينيات القرن الماضي، لكنها عانت وتعاني من استنزافاتٍ وسوء إدارة ومحاولات لتغيير «الطائف» والدستور. لذا فإنّ احتفال سفارة دولة الإمارات في بيروت بالدولة الوطنية ذات المواطنة والحكم الصالح، يتضمن استعادة للتجربة اللبنانية الأولى، وتطلعاً إلى التجربة الناجحة للمواطنة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
يستطيع رجال الدين بالولاء للدولة الوطنية المدنية، أن يكافحوا النماذج المختلفة للسلطة الدينية المشرذمة والمقسّمة. ويستطيعون اعتبار الدولة الوطنية المدنية، من متطلبات الأديان والأوطان، باعتبار عيشهم المشترك فيها، والحريات الدينية والمدنية المضمونة والمُعاشة. فلا أوطان بلا حريات، ولا أوطان بدون سلطاتٍ وطنيةٍ قويةٍ وصانعةٍ للعدالة وحكم القانون. ليس صحيحاً أنّ الدولة الدينية تخدم هذا الدين أو ذاك. بل هي التي تُحدث توترات تنقلبُ لغير مصلحة الدين. وكانت الدولة الدينية معروفةً في العصور الوسطى المسيحية وفشلت. وما أطلت برأسها في عالم الإسلام إلاّ خلال العقود الأخيرة فحسب، وكانت نذير شرٍ وخراب. ومن هنا تأتي رسالة رجال الدين في الوقوف مع الدولة الوطنية المدنية لمصلحة الدين والناس والأوطان.