مع مرور كل ساعة يولد 15 ألف طفل حول العالم، وهو ما يعادل 360 ألف ولادة في اليوم الواحد، أو أكثر من 131 مليون كل عام. وفي المفهوم الطبي، يشير مصطلح «طفل حديث الولادة» إلى الفترة الممتدة من لحظة الولادة، وحتى نهاية الأسبوع الرابع من العمر. وهو ما يعني أنه في العام الواحد يتصف 131 مليون طفل بهذه الصفة، ورغم أن الغالبية العظمى منهم، أو 100 مليون، يولدون بعد إتمام فترة الحمل الطبيعية، وبصحة جيدة، إلا أن البقية الباقية، أي نحو 30 مليون، يولدون إما مبكراً، أو مصابين بمرض واعتلال، أو يصابون بمرض أو عدوى خلال الأسابيع الأربع الأولى من حياتهم.
هذه الحقيقة دفعت بمجموعة من المنظمات الدولية، العاملة في مجال الصحة العامة ورعاية الأطفال، إلى إنشاء تحالف دولي، معني بدعم ومساندة نظم الرعاية الصحية في مختلف دول العالم، ومساعدتها على توفير أفضل رعاية ممكنة لهؤلاء الأطفال. من هذه المنظمات نذكر على سبيل المثال لا الحصر: منظمة الصحة العالمية، ومنظمة «اليونيسيف»، ومؤسسة «بيل وميلندا جيتس»، والجمعية الدولية لطب الأطفال، والمجلس الدولي لممرضات الأطفال، والاتحاد الدولي للقابلات، وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي، والمؤسسة الأوروبية لرعاية الأطفال حديثي الولادة، وغيرهم الكثير من المنظمات، والمؤسسات، والجمعيات.
وسعياً نحو تسليط الضوء على التحديات الصحية التي يواجهها الأطفال حديثو الولادة، خصوصاً المبتسرين منهم، أي من ولدوا مبكراً، أصدر المشاركون في التحالف تقريراً نهاية الأسبوع الماضي، خلص أن لتخطي تلك التحديات والتغلب عليها، لا بد من العمل لتوفير الرعاية الصحية الجيدة، في الوقت الصحيح، وفي المكان المناسب، لكل من الأم والطفل حديث الولادة. وإنْ كان للأسف، لا يزال تحقيق هذا الهدف بعيد المنال، وهو ما ينتج عنه وفاة الملايين من الأطفال مبتسرين أو الخدج، ومن الأمهات أيضاً، بسبب عدم تلقيهم للرعاية الصحية التي يحتاجونها، والتي هي حق من حقوقهم، ومسؤولية مجتمعاتهم ودولهم.
وإذا خصصنا بالحديث هنا الأطفال المولودين مبكراً، فسنجد أن 15 مليون طفل يولودون سنوياً قبل أن يقضوا في أرحام أمهاتهم المدة الكاملة للحمل الطبيعي، وهي الولادات المبكرة التي ترتبط بمليون وفاة سنوياً، ويجعل الولادة المبكرة تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة. فالمفترض في الحمل الطبيعي أن يستمر 40 أسبوعاً في المتوسط. وهو ما يجعل كل طفل، ولد قبل إتمام 37 أسبوعاً، طفلاً مبتسراً. وللأسف في جزء كبير من حالات الولادة المبكرة، يبقى السبب خفياً، حيث يبدو أن هناك العديد من العوامل المتداخلة والمعقدة التي تؤدي للولادة المبكرة، ما يجعل هدف خفض معدلات الولادات المبكرة، غاية لا زالت صعبة المنال لحد كبير. لكن، إن كانت الأسباب خلف الولادات المبكرة غير معروفة في جزء كبير من الحالات، فإن الثمن الإنساني المتمثل في معدلات الوفيات والإعاقات الدائمة بين هؤلاء الأطفال، واضح ومحدد.
فمن بين جميع الوفيات بين حديثي الولادة، نجد أن الثلثين هي لأطفال مبتسرين، وحتى من يظل منهم على قيد الحياة، يعاني غالبيتهم تأخراً في النمو، وتدهوراً في القدرات الجسدية والعقلية، ومن أمراض مزمنة، حيث يقدر أن مليوناً من الأطفال المبتسرين، ومن يصابون بأمراض في الأيام والأسابيع الأولى من حياتهم، يظلون يعانون إعاقات طويلة الأمد. وبخلاف الثمن الإنساني الفادح، تتسبب الولادات المبكرة والأمراض والوفيات بين حديثي الولاة في فاقد اقتصادي هائل، من خلال تكاليف الرعاية الصحية التي تقدر سنوياً بالمليارات.
وإذا وسعنا نطاق الحديث، ليشمل جميع الأطفال حديثي الولادة، سواء من ولد منهم مبكراً أو بعد حمل كامل، فسنجد أن في عام 2017 فقط، لقي 2.5 مليون منهم حتفهم، وغالباً من أسباب كان من الممكن الوقاية منها وتجنبها. وإن كان الأمل يظل باقياً، أن من خلال الإجراءات والتدابير السليمة، ضمن استراتيجة شاملة في منظومة الرعاية الصحية، يمكن إنقاذ حياة الكثيرين من هؤلاء. فعلى حسب التقرير سابق الذكر، من الممكن بحلول عام 2030، إنقاذ حياة 2.9 مليون امرأة، وطفل حديث الولادة. تحقيق هذا الهدف، سيتطلب تعاون وتضافر جهود الدول، والمنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني، ونظم الرعاية الصحية بمكوناتها المختلفة، إذ ما كان للجنس البشري أن يحافظ على حياة الملايين من هؤلاء الأطفال.