رجّت احتجاجات «السترات الصفراء» أرجاء فرنسا خلال الأسابيع القليلة الماضية، تاركة الأحياء الباريسية الأنيقة في حالة صدمة، وأججت قلق نشطاء البيئة. وبدأت الاحتجات كرّد فعل على إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون أن هناك زيادة في الضرائب على البنزين، في إطار جهود طموحة ومستمرة لمحاربة احترار المناخ العالمي، ومن المزمع تطبيقها في يناير المقبل.
وعلى رغم من أن سكان باريس، ممن ينعمون بوسائل نقل عام مريحة، أيّدوا الضريبة، إلا سكان المناطق الريفية والضواحي الفرنسية اعتبروها استفزازاً. وقال أحد المتقاعدين ممن يعيشون في المناطق الريفية لمراسل «نيويورك تايمز»: «الضرائب تزيد على كل شيء، وأعتقد أنهم سيفرضون ضرائب على الضرائب!». وفي ظل تزايد حدة وشعبية الاحتجاجات، تراجع ماكرون عن الزيادة الضريبية، لكن ذلك لم يحدث قبل أن تتحول حركة «السترات الصفراء» إلى ثورة بلا قيادة ضد النخبة الحاكمة، التي باتت الآن تهدد حكومته.
وكما هي الحال بالنسبة للطبقة العامة المؤيدة لقطاع الفحم المتداعي في الولايات المتحدة، ثمة سؤال مطروح: هل الدفاع عن البيئة قضية خاصة بالأثرياء، ولا يمكن سوى للمرفهين القلق بشأنها؟
ويجيب بعض خبراء علم الاجتماع على هذا السؤال بنعم، وهو ما لاحظه أيضاً عالم الاجتماع «رونالد إنجلهارت» في دراسة مهمة أجريت عام 1995 في 43 دولة. واشتركت النسبة الكبيرة من سكان الدول الذين أيدوا تشديد السياسات البيئية في أمرين أساسيين: أنهم كانوا يعانون من تحديات بيئية جسيمة مثل تلوث المياه والهواء، وأنهم كانوا أثرياء!
وبصورة ما، يتلاءم الوضع في فرنسا مع هذه النظرية، فكثير من الفرنسيين أثرياء ومتعلمين. وأشارت دراسة في 2017، على سبيل المثال، إلى أن 79 في المئة من الشعب الفرنسي يعتبرون أن التغير المناخي مشكلة خطيرة جداً.
وعلى رغم من ذلك، ليس من الصعب تحديد نقاط ضعف في نظرية «إنجلهارت»، فالولايات المتحدة، مثل فرنسا، دولة مزدهرة وشعبها مثقف. لكن استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث العام الجاري، أكد أن 44 في المئة فقط من الأميركيين مهتمون بدرجة كبيرة بالتغير المناخي.
وخلاصة القول: قد تختلف التفسيرات وراء مظاهرات «السترات الصفراء»، لكن المؤكد أنه من دون جهود منسقة لحل مشكلة عدم المساواة، فإن أية تغييرات سياسية جريئة مطلوبة لإبطاء خطر التغير المناخي لن تبارح مكانها!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»