افتُتِح يوم السبت الماضي «منتدى الدوحة» في نسخته الثامنة عشرة، وقد تضمنت كلمة وزير الخارجية القطري في افتتاح المنتدى بعض الأفكار الرسمية القطرية عن الأزمة كإنكار مسؤولية النظام القطري عن تفجر الأزمة وتسمية المقاطعة العربية لقطر بالحصار والدعوة لحلها بالحوار دون تدخل في الشؤون الداخلية والأمل في أن تؤدي الوساطة الكويتية إلى مخرج من الأزمة، وتتجاهل هذه الأفكار أن سبب الأزمة الرئيسي هو سياسات النظام القطري وممارساته ولو لم يكن هذا صحيحاً لما وقع أمير قطر على اتفاق 2013 الذي تضمن مطالبات صريحة من النظام القطري بالتوقف عن ممارساته بحق السعودية والإمارات والبحرين ومصر دون أن يتضمن أي مطالبة بحق هذه الدول التي تعترض على ممارسات نظامه، غير أن كلمة وزير الخارجية القطري أضافت إلى ما سبق تعريضاً بمجلس التعاون الخليجي بوصفه وأمينه العام بأنهما بلا حول ولا قوة، وكان الأجدر بالوزير أن يدرك أن نظامه هو المسؤول عن أي إضعاف لحق أو يمكن أن يلحق بالمجلس وأنه لا الحوار ولا الوساطة الكويتية مع كل التقدير لنواياها الحسنة يمكن أن يفضيا إلى تجاوز الأزمة طالما بقيت سياسات النظام القطري وممارساته على حالها، وهكذا فإن كل ما ورد في كلمة الوزير بخصوص تطوير المجلس يصبح بلا معنى إن لم تتوقف سياسة النظام القطري وممارساته التي تضرب الأسس التي بُني عليها المجلس، كذلك تضمنت كلمة الوزير القطري تصريحاً يستحق التوقف عنده وهو أن التحالفات الإقليمية «بحاجة إلى إعادة تشكيل».
وترجع أهمية هذا التصريح الأخير إلى ما كان قد راج في الشهر الماضي عن عرض تقدم به وزير الخارجية القطري أثناء زيارته بغداد في ذلك الشهر وهو تأسيس تحالف خماسي من كل قطر والعراق وسوريا وإيران وتركيا، وقد أكدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية هذا العرض كما أكده رئيس حزب الوطن اليساري التركي في إحدى الفضائيات، غير أنه لوحظ عدم صدور أي بيان رسمي من الجانبين العراقي والقطري بخصوص هذه المسألة وهو الأمر الذي فُهم منه في حينه أن النظام العراقي لا يريد أن يزج بنفسه في خضم منافسات خليجية وعربية وإقليمية وعالمية خاصة وقد بادر عدد من القوى السياسية الرئيسية في العرق بإبداء تحفظات على هذه الفكرة وما يمكن أن يترتب عليها من إرباك للسياسة العراقية في مرحلة أشد ما تحتاجه فيها الاستقرار والتوازن، وعلى سبيل المثال فقد حذر تحالف «سائرون» الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر من دخول العراق في سياسة المحاور الدولية، وحذت حذوه أطراف وقوى سياسية أخرى، أكدت رفضها المقترح القطري لما له من تأثيرات خطيرة على الاستقرار في المنطقة، وترجع أهمية تصريح وزير الخارجية القطري في افتتاح «منتدى الدوحة» يوم السبت الماضي بخصوص حاجة التحالفات الإقليمية في المنطقة إلى إعادة تشكيل إلى أنه يُعَد أول مؤشر رسمي غير مباشر على صحة التقارير التي راجت في الشهر الماضي إبان الزيارة التي قام بها الوزير القطري إلى بغداد عن اقتراح قطر تشكيل تحالف خماسي.
هكذا يبدو النظام القطري مصراً على سياساته التي من شأنها لا تخريب مجلس التعاون الخليجي من داخله فحسب وإنما إلحاق المزيد من الضرر الفادح بالنظام العربي، ففي الوقت الذي يتهدد فيه الأمن الخليجي والعربي من السياسات الإيرانية والتركية يتحدث النظام القطري عن إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية على خلفية تقارير رائجة عن مبادرة قطرية بتشكيل تحالف تدخله هاتان الدولتان، أي أن النظام القطري يريد أن يعمم ما يفعله بنفسه على النظام العربي ككل غير عابئ بالتداعيات الخطيرة لهكذا تحالف، غير أنه لحسن الحظ فإن هذه الأفكار الغريبة لا تستند إلى أسس قوية أو هي بالأحرى فاقدة لأي أساس أصلاً، فكيف يقوم تحالف بين قوتين إقليميتين لكل منهما مشروعه الخاص للهيمنة؟ وكيف يقوم تحالف قوى يضم دولاً مازالت تواجه تحديات هائلة تتعلق بالتوصل إلى معادلات صحيحة لتحقيق الاستقرار السياسي ناهيك بإعادة الإعمار كما هو الحال في كل من سوريا والعراق؟ لن يكون خروج النظام القطري من أزمته بالتأكيد عبر هذه الأفكار الواهية وإنما بإجراء المراجعات الواجبة لسياساته والعودة إلى محيطه الطبيعي.