تألف أسماعنا في ديسمبر من كل عام، أن الدول والمؤسسات بل والأفراد، تقلب الصفحة التي ضمت ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، في عامها الماضي، وتضع نقطة وتبدأ من سطر جديد، شارعةً بخط استراتيجيات وأهداف وطموحاتٍ جديدة. وكذلك الحال في الإمارات، إذ تقوم بالأمر نفسه إلا أنها لا تقلب الصفحة بل تكمل عليها وتخطها بحروف من ذهب وبحبر الخير والعطاء الذي ترعرعت عليه، محافظةً على رسوخ حضارتها وثبات مبادئها، وشجاعة إرادتها، وعلو سقف طموحاتها الذي يعانق السماء، في «البيت» الذي خلق ليكون متوحداً، وتوحد ليكون متسامحاً.
ففي العام الذي أوشك أن يصبح ماضيا، زينا صدورنا بوسام يحمل صورة الأب المؤسس الشيخ زايد- رحمه الله – ونورنا عقولنا بفكره ورؤيته كباراً وصغاراً، ليصبح «عام زايد» رمزاً للنهضة الفكرية والبذل البنّاء والإحسان النابع من الإنسانية التي خلقت فينا، ويأتي هذا العام امتداداً لما سبقه، مستكملاً نهج زايد الوئام وزايد الخير، ليتوج بتوجيه سامٍ من رئيس الدولة، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد – حفظه الله- إيذاناً بـ«عام التسامح»، عنواناً وسبيلاً منيراً تكمل به الإمارات مسيرتها الوقورة لهذا العام.
وقد تفردت الإمارات بوقع خطاها الذكية، على اعتبارها أنموذجاً حضارياً يعيش معنى التسامح، ولم تتردد الإمارات بتشييد جسر التعايش والسلام بين شعوب العالم، فاتخذت من أرض الإمارات التي أضحت موطناً خصباً لرعاية المحبة والوئام، محطة لبثه في بقاع الأرض، ابتداء من بذورها اليانعة، بتعزيز قيم التسامح لدى الأجيال الجديدة، إيماناً بأن الأجيال الصاعدة هي اليد الخضراء التي ستنثر بذورها لنماء التسامح والوئام في كل بقعة تخطو بها. إضافة لترسيخ مكانة الإمارات والتي أرى استحقاقيتها بجدارة لأن تكون عاصمة عالمية للتسامح، راعيةً مجموعة من المبادرات والمشاريع الكبرى في هذا المجال، كالمساهمات البحثية والدراسات الاجتماعية والثقافية المتخصصة في مجال التسامح وحوار الثقافات والحضارات، كما ترعي التسامح الثقافي جانباً من الاهتمام، من خلال مجموعة من المبادرات المجتمعية والثقافية المتعددة، مبلورة أعمالها وطموحاتها في هذا العام من خلال طرح تشريعات تعمل على مأسسة قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي، وتعزيز خطاب التسامح وتقبل الآخر بمبادرات إعلامية هادفة.
ففي حين تربع جواز السفر الإماراتي على المرتبة الأولى عالمياً، تأتي انطلاقة هذا العام لتصنع من كل إماراتي أو مقيم على أرض الإمارات سفيراً عالمياً، وصاحب رسالة، ورمزا لمعاني السلام والتعايش الفعال، ولتكون صفعة على وجه الإرهاب والكراهية الذي يحاول أن يرفع صوته الواهن، الذي لن يكتب له أن يعلو، وبخاصة بوجود الجهود الإماراتية المخلصة التي – على سبيل المثال لا الحصر - تتخذ من بث السلام فلسفة وأسلوب حياة، وتعتبر شريكاً أساسياً في المعاهدات الدولية لنبذ العنف والتمييز، والتي كان لها السبق في تعيين وزير للتسامح وافتتاح مركز لذلك على المستوى العالمي، لتعزز ذلك بسن ضوابط صارمة تقف فيصلاً دون تحقيق التطرف والكراهية، كما زين اسم الإمارات المؤشر العالمي للتسامح عالمياً بتصدره لعامي 2017و 2018، ضاماً لمجالات التسامح الديني والثقافي والفكري والسياسي والعلمي والاجتماعي.
إن النموذج الحضاري المعاش على هذه الزخرفة الفسيفسائية النادرة، والتي احتضنت أكثر من مئتي جنسية ومازالت تفتح ذراعيها مرحبة ومحتوية وناهضة بمكوناتها المجتمعية، دونما أي تردد أو خجل والتي أعلنت رحابة من المبادرات الفاعلة، تعزيزاً للحوار بين الشعوب والأديان مثل «البرنامج الوطني للتسامح» و«جائزة محمد بن راشد للتسامح» و«المعهد الدولي التسامح»، ومؤسسةً للعديد من مراكز محاربة التطرف، كما عملت وبخطى واثقة على إبراز القدوة الإماراتية للصدارة بمؤشرات «التسامح مع الأجانب»، ولم تنتظر ابتداء العام الجديد 2019، ليعلن وزير التسامح الإماراتي معالي الشيخ نهيان بن مبارك، منذ أيام، من الأراضي الإسبانية افتتاح «مؤسسة الثقافة الإسلامية والتسامح الديني» بوسط تصفيق حار مطول، فالإمارات التي يُشار لها بالبنان حينما نسمع «البيت متوحد»، ليعود صدى الصوت من كل بقاع الأرض بـ «البيت متسامح».