على الرغم من شعور السعادة الذي غمر قسماً كبيراً من اليمنيين، في الداخل والخارج، فور سماعهم بانفراج في مفاوضات السويد بين وفديّ الحكومة الشرعية والمتمردين (الحوثيين)، إلاّ أن هنالك يمنيين كان شعورهم خلافاً لذلك. وهؤلاء الذين قد يصفهم بعضنا باللامتفائلين، يرون أن مفاوضات السويد انتهت إلى نتائج هي أقل من التوقعات، أما رجل الشارع اليمني فقد حرمته تلك النتائج المتواضعة، من فرحة كبيرة كان يتحضر لها في كل ساعة من ساعات الأيام الثلاثة التي عاشها على قلق. إن تلك النتائج في مجملها ثمة من يعتقد أنها جاءت منقوصة، بينما كان بالإمكان أن يخرج المتفاوضون بنتائج أكثر قرباً إلى تطلعات رجل الشارع اليمني الذي كان ينتظر حسماً للمأساة.
من ناحية أخرى، فإن من يراقب الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي السيد مارتن غريفيث لمجلس الأمن، بعد انتهاء المفاوضات الخميس الماضي، والتي أجمل فيها ما تحقق من «إنجاز»، يشعر أن ثمة تعظيماً لافتاً من أعضاء مجلس الأمن للدور الذي قام به السيد غريفيث في الترتيب للمفاوضات والنتائج التي توصل إليها. هذا التعظيم يبعث على التساؤل: هل النجاح في عقد المفاوضات بين الطرفين في السويد، والنتائج المتواضعة التي خرجت بها، هما السبب الرئيس الذي دفع أعضاء مجلس الأمن إلى تعظيم دور السيد غريفيث؟ أم أن فشل الذين سبقوه من مندوبين أمميين (عرب) في الملف اليمني الشائك، السيدان جمال بن عمر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد، هو السبب الذي جعل جهود غريفيث تبدو في عيونهم أسطورية، وتستحق كل هذا الاحتفاء الحار؟ الإجابة: ربما. لكن تُرى ما الذي جعل المتمردين (الحوثيين) يقدمون تنازلات على غير ما هو متوقع - وهي التنازلات التي كانت عرضت عليهم في أكثر من مفاوضات سابقة، ويبذلون جهداً لتخرج هذه المفاوضات في شكل مرضٍ - على الأقل - في عيون متابعيها في العالم؟ رغم تواضع نتائجها التي لا تلبي لا تطلعات الشعب اليمني، ولا شروط قيادته الشرعية المعترف بها دولياً؟ هل هو الوضع العسكري في الميدان؟ وهذا ما يعتقده المحللون السياسيون والعسكريون. الجواب: نعم. فمن يسيطر على الميدان يأخذ مساحة كبيرة من الطاولة. في كل الأحوال ما كان لهذه المفاوضات أن تخرج بما خرجت به من نتائج، لولا بسالة الجيش اليمني ورديفته المقاومة الوطنية، والتحالف العربي بعملياته الإسنادية الداعمة، وقوته الإنسانية الضاربة التي شملت مختلف قطاعات الشعب اليمني على الأرض، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. إنها الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان. لكن الأسئلة المعلقة التي ستجيب عنها الأيام القليلة المقبلة هي: هل سينسحب المتمردون من الحديدة ومينائها، أم أنهم سيفسرون الانسحاب منها بطريقتهم الخاصة، وبالتالي سيحتفظون ببقائهم فيها بأكثر من شكل؟ وكذلك الأمر سيكون مع فك حصار مدينة تعز الصامدة. هل اختيار قيادة هولندية لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين هو اختيار موفق؟ ونحن نعرف هولندا ومواقفها تجاه ما يحدث في اليمن، وهي بالمجمل يشوبها بعض الانحياز الذي غالباً ما يجري تغطيته بشعار (الموقف الإنساني)، الذي ربما يكون هنا كلمة حق يراد بها (أمر آخر) لا يخدم مصلحة اليمن واليمنيين. مقطع القول: إن غداً لناظرة قريب.