مرّ عامان تقريباً على انتخابات 2016، لكن النقاشات بشأن أسباب فوز دونالد ترامب لم تتوقف، ولأن ترامب حصل على تأييد الناخبين البيض ممن حصلوا على تعليم رسمي أقل، والذين يُوصفون بـ«الطبقة العاملة البيضاء»، عزا كثيرون انتصاره لمخاوف الأميركيين من الأوضاع الاقتصادية.
غير أن هذه الرواية أغفلت الطبيعة الحقيقية لائتلاف ترامب، وبشكل عام، لم يكن ناخبو ترامب يعانون أبداً من ضوائق اقتصادية استثنائية. بيد أنه، في الوقت الراهن من المستبعد أن يؤيد الأميركيون الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة أداء ترامب كرئيس.
والأساليب التقليدية لقياس آراء الناس في الاقتصاد كثيراً ما تعاني من تحيز حزبي، فالناس غالباً ما يميلون إلى اعتبار أن الاقتصاد يبلي بلاء حسناً عندما يكون حزبهم مسيطراً على البيت الأبيض. وعلى سبيل المثال، بعد انتخاب ترامب مباشرة، وقبل أن يتمكن من فعل أي شيء يؤثر على الاقتصاد، زادت نسبة «الجمهوريين» الذين قالوا إن الاقتصاد يتحسن من 15 في المئة في أكتوبر 2016 إلى 80 في المئة في فبراير 2017، بحسب استطلاع أجراه «مركز غالوب» لاستطلاعات الرأي. وخلال الفترة ذاتها، أصبح «الديمقراطيون» أقل تأييداً بشأن الاقتصاد.
ولتفادي هذه المسألة، وجهنا مجموعة من الأسئلة المختلفة في استطلاع لآراء الناخبين أجري في مايو 2018، ضمن مشروع مجموعة «صندوق الديمقراطية لدراسة آراء الناخبين». واختبرنا عينة مكونة من 6000 أميركي حول ما إذا كانوا قد عانوا مجموعة من الأحداث المالية السلبية خلال العام الماضي، بما في ذلك تراجع الدخل، أو فقدان الوظيفة، أو صعوبات في سداد الفواتير الشهرية. وقد أخبرونا أيضاً حول ما إذا كانت لديهم مدخرات أو شعروا بأنهم متأهبون مالياً لأي أحداث طارئة غير متوقعة، إضافة إلى شعورهم العام بشأن أحوالهم المالية ووظائفهم ودخلهم ومدخراتهم وديونهم. ولم يكن للإجابات على تلك الأسئلة سوى ارتباط ضئيل بانتماءات الناس كديمقراطيين أو كجمهوريين، ومن ثم كشفت بصورة جيدة عن أحوالهم الاقتصادية الحقيقية.
وأظهرت النتائج أن أقليات من الأميركيين كشفوا عن مواجهة صعوبة اقتصادية شديدة خلال العام الماضي؛ إذ قال 8 في المئة إنهم أو أزواجهم قد خسروا وظائفهم. وتراوحت نسبةُ مَن واجهوا صعوبات في سداد رهنهم العقاري أو نفقات كبيرة أخرى بين 7 و14 في المئة.
وأعربت شريحة أكبر عن قلقهم بشأن وضعهم الاقتصادي، فقال واحد من كل خمسة إنهم غير راضين تماماً أو غير راضين إلى حد ما عن دخلهم، بينما أكد 25 في المئة تراجع دخولهم خلال العام الماضي. وكانت المدخرات مبعث قلق حقيقي: فقد أكد 33 في المئة من الأشخاص أنهم لم يُوفّروا أي مدخرات، في حين أعرب 40 في المئة عن رضاهم بشأن مدخراتهم. وذكر زهاء 47 في المئة أنهم لم يكونوا أو ليسوا متأهبين مالياً على الإطلاق لأي أحداث طارئة غير متوقعة.
غير أن التركيز على الطبقة العاملة البيضاء يخفي المعالم الحقيقية للضغوط الاقتصادية. وفي الواقع فإن الأميركيين السود هم أكثر من أخبروا عن صعوبات اقتصادية، وهي حقيقة غير مفاجئة، لكنها تتجلى بوضوح في البيانات الجديدة.
وقد كان هذا النموذج واضحاً جداً في كافة مستويات الدخل؛ فغير البيض ممن تساووا في شريحة دخل الأسرة ذاتها مع البيض، أكدوا معاناتهم من ظروف اقتصادية أصعب. وانطبق ذلك حتى عند مقارنة غير البيض من أصحاب المؤهلات الجامعية مع البيض الذين لا يحملون شهادات جامعية.
أما ناخبو ترامب بشكل عام فكشفوا عن صعوبات اقتصادية أقل ممن صوتوا لصالح هيلاري كلينتون. وعلاوة على ذلك، أفاد الناخبون الأوائل الذين صوتوا لترامب في المنافسات التمهيدية، بوجود صعوبات مالية أقل ممن صوتوا في المنافسات التمهيدية لكلينتون أو بيرني ساندرز.
وتتسق هذه النتائج مع الأبحاث التي جرت على استطلاعات الرأي التي أجريت أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، وهي أن المخاوف الاقتصادية لم تكن ملمحاً مميزاً في تأييد ترامب، خصوصاً عند مقارنتها بمواقف بشأن العرق والهجرة.
بيد أن المؤكد هو أن الضغوط الاقتصادية تؤثر الآن على مستويات تأييد ترامب. ونسبة الجمهوريين الذين كشفوا عن مستويات مرتفعة من الضغوط الاقتصادية ممن يُحتمل أن يؤيدوا ترامب أقل بمعدل 10 نقاط مئوية مقارنة بأولئك الذين كشفوا عن مستويات منخفضة من الضغوط الاقتصادية.
ويبدو أن إدارة ترامب تدرك هذا التحدي. فقد أصدرت بياناتها الاقتصادية التي تظهر نمواً في الأجور أكبر من المقاييس العادية. ورغم ذلك، لا يزال ترامب أقل شعبية مما يُنبئ النمو الاقتصادي.
ولهذه الأمور أهمية كبيرة في انتخابات التجديد النصفي المقبلة؛ إذ سيعتمد تصويت الناخبين الأميركيين للمرشحين من حزب الرئيس في انتخابات الكونجرس على شعبية الرئيس نفسه، وهو ما يعني أن الأميركيين الذين يواجهون صعوبات مالية وغير راضين عن أداء الرئيس قد يعاقبون حزبه في نوفمبر.
روبرت جريفين* وجون سايدس**

*مدير مساعد لقسم الأبحاث لدى معهد الأبحاث الدينية العامة
**أستاذ العلوم السياسية في جامعة «جورج واشنطن»

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»