يحتاج المرء بعض الوقت للاهتمام بأسرته وأصدقائه وعروض التسوق في الإجازات، فلا يمكن أن نقضي جميع الأيام في التركيز على الأحداث الراهنة، خشية أن يصاب المرء بالجنون في غمرة المعلومات المتدفقة.
لكن إذا لم تكونوا قد بدأتم التدقيق في الأخبار بعد العطلة، فدعوني أقتبس بضع جمل فقط من تقرير للحكومة الفيدرالية صدر يوم الجمعة الماضي: «إن المناخ يتغير الآن بوتيرة أسرع من أية مرحلة في تاريخ الحضارة المعاصرة، ويعزو ذلك بصورة أساسية إلى الأنشطة البشرية، وتظهر الآن تأثيرات التغير المناخي العالمي بالفعل في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تزداد شدتها في المستقبل. بيد أن شدة التأثيرات المستقبلية ستعتمد بشكل كبير على الإجراءات التي سيتم اتخاذها لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيف مع التغييرات التي ستحدث».
والاقتباس السابق من «تقييم المناخ الوطني الرابع»، وهو تقرير كلّف الكونجرس بإجرائه أصدرته الإدارة الأميركية في يوم هو من أقل الأيام التي تهتم فيها الناس بمتابعة الأخبار. وفيما يلي جزء من الخبر الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» حول التقرير:
«إن واضعي التقرير، الذين يمثلون عدداً من الوكالات الفيدرالية، يقولون إنهم متيقنون تمام اليقين أكثر من أي وقت مضى من أن التغير المناخي يشكل تهديداً خطيراً على صحة الأميركيين وأموالهم، إضافة إلى البنية التحتية والموارد الطبيعية للبلاد. وعلى رغم من أن التقرير تفادى تقديم توصيات سياسية، فإن الشعور بالإلحاح والخطر يتناقض تناقضاً شديداً مع الافتقار إلى أي خطة واضحة من قبل الإدارة الراهنة للتعامل مع هذه المشكلات، والتي تصفها الحكومة نفسها بأنها (فادحة)».
ولفتت الصحيفة إلى أن «الوثيقة التي وجّه الكونجرس بإعدادها، وهي الأولى من نوعها التي تصدر أثناء الإدارة الحالية، تكشف أن الكوارث التي يغذيها التغير المناخي والأنماط الأخرى من التغيرات المقلقة أضحت أكثر شيوعاً في أنحاء البلاد، وتُفصّل مدى تدهور الأوضاع في غياب أية جهود لمحاربة احترار المناخ العالمي».
ويؤكد التقييم أن الردود السياسية يمكن أن تخفف من التأثيرات الضارة للتغير المناخي. فهل سيحرك هذا التقرير أية ردود سياسية جادة من الإدارة الراهنة؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، دعوني أذكر حقيقتين مهمتين حول الرئيس ترامب، أولاً: أنه يعتقد أن «موجة برد قاسية يمكن أن تعصف بكل شيء، مهما حدث لاحترار المناخ العالمي». وثانياً: لا يعلم ترامب بعض أمور السياسة العامة، ففي25 نوفمبر الماضي، كتب كل من «جوش داوزي» و«داميان باليتا» في صحيفة «واشنطن بوست» الملاحظة التالية:
«إن الرئيس ترامب ليس ملمّاً بمعظم تفاصيل الموازنة الفيدرالية». ولا تتوقعوا رداً حقيقياً من البيت الأبيض على مشكلة التغير المناخي، لاسيما أن الرئيس يعتقد أن المناخ سيعود إلى سابق عهده من تلقاء نفسه. ولا تتوقعوا كذلك استجابة قوية، خصوصاً من جناح الكونجرس الذي يهيمن عليه الحزب «الجمهوري». ويرجع ذلك إلى أن انتخابات التجديد النصفي أطاحت بكثير من «الجمهوريين المعتدلين» من المسؤولين في الحزب الذين يرغبون في الإقرار بأن التغير المناخي من صنع الإنسان وهو حقيقي ويستلزم ردود فعل. ومثلما أوضح «روبينسون ماير» من دورية «ذي أتلانتيك»، بداية الشهر الجاري، «إن انتخابات التجديد النصفي قلصت عدد (الجمهوريين) الذين يصفون أنفسهم بأنهم معتدلون بشأن التغير المناخي في مجلس النواب».
وكتب «ألبرت هيرسكمان» كتاباً مهماً، وإن كان يبعث على الاكتئاب، بعنوان: «بلاغية ردود الأفعال»، والذي فصل فيه ثلاث صور بلاغية تستخدم في ردود الأفعال رداً على مقترحات من أجل اتخاذ تدابير تقدمية في مواجهة التغير المناخي:
الأولى: «نظرية الانحراف»، وفحواها أن أي ردود فعل متعمدة لمعالجة المشكلة ستنحرف عن مسارها وستكون لها آثار عكسية. والثانية: «نظرية الهلاك»، والتي تحذر من أن أي إجراء يعني التضحية بالمكاسب التي حصلنا عليها بشق الأنفس. وقد كان ذلك هو الرد النموذجي من الحزب «الجمهوري» على التغير المناخي، زعماً بأن أية مواجهة للتغير المناخي لا تضاهي المجازفة بمستويات المعيشة الأميركية (غير أن عدم التحرك يضمن تهديد مستويات المعيشة الأميركية).
وفي الحقيقة، كلما كانت التحذيرات مروعة، أتوقع تشبث الحزب «الجمهوري» بالصورة البلاغية الثالثة في كتاب «هيرسكمان»، والمتمثلة في نظرية «الفشل». وهو أن المعضلة أصعب من أن تحل، ومن الحماقة أن نتوقع أن السياسات الحكومية ستحدث حلحلة في المشكلة.
*أستاذ السياسة الدولية والدبلوماسية في كلية «فلتشر للقانون» بجامعة «توفتس»
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»