إذا طالع المرء عناوين الأنباء سريعاً، فلا جناح عليه أن يعتقد أن حرب التجارة الأميركية الصينية تتعلق في الأساس بالرسوم. فقد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه بأنه «رجل الرسوم». لكن الاعتقال المثير للدهشة في كندا لمديرة في شركة اتصالات صينية يجب أن ينبه الناس إلى أن هناك حربا تجارية صينية أميركية أخرى تتمثل في صراع أكثر خفاء يستخدم أسلحة أكثر براعة وفتكا من الرسوم. والهدف في هذا الصراع الآخر هو الهيمنة على صناعة تكنولوجيا المعلومات.
والمديرة المعتقلة «هي وانزو مينج» المديرة المالية لشركة «هاواوي» الصينية لإنتاج معدات الاتصالات وهي ابنة مؤسس الشركة. والسبب الرسمي للاعتقال هو الاشتباه في أن «هاواوي» باعت تكنولوجيا إلى إيران في انتهاك للعقوبات الأميركية. وهذه ثاني شركة تكنولوجيات صينية كبيرة تُتهم بانتهاك العقوبات وسبقتها شركة «زد. تي. إي.» عام 2017. فقد عاقبت الولايات المتحدة «زد. تي. إي.» بمنعها من شراء مكونات أميركية وأهمها شرائح الاتصال التي تنتجها شركة «كوالكوم» الأميركية. وقيود الشراء تلك رُفعت في نهاية المطاف بعد موافقة «زد. تي. إي.» على دفع غرامة ومن المؤكد أن تفلت «هاواوي» في نهاية المطاف أيضا من عقاب شديد. لكن هذه الأحداث توضح اعتماد الشركات الصينية على تكنولوجيا أميركية حيوية. فمازالت الولايات المتحدة تنتج، أو على الأقل تصمم، أفضل شرائح الكمبيوتر في العالم. وتنتج الصين إلكترونيات كثيرة لكن دون هذه المكونات الحيوية من التكنولوجيا الأميركية، ستصبح منتجات شركات مثل هاواوي أقل جودة بكثير.
والقيود على الاستيراد والتهديد بفرض قيود تستهدف وضع عراقيل أمام المنافسين الأساسيين لشركات التكنولوجيا الأميركية. فقد تجاوزت شركة هاواوي في الآونة الأخيرة شركة آبل لتصبح ثاني أكبر شركة لإنتاج الهواتف الذكية في العالم من حصة السوق بعد سامسونج. وهذا يوضح التغير الحادث في الصين التي انهمكت شركاتها لفترة طويلة في عملية التجميع قليلة القيمة بينما تقوم شركات الدول الغنية بالعمليات عالية القيمة من التصميم والتسويق وإنتاج المكونات. وتحرك الولايات المتحدة ضد هاواوي و«زد. تي. إي.» ربما قصد به إجبار الصين على أن تظل مورداً رخيصاً بدلاً من أن تصبح منافساً يهدد الشركات الأميركية.
وهناك جهود أكثر منهجية لعرقلة إمكانية الدخول الصيني إلى المكونات الأميركية. فقد عزز «قانون إصلاح السيطرة على التصدير»، الذي أُقر الصيف الماضي، الإشراف التنظيمي على الصادرات الأميركية للتكنولوجيات «الناشئة» و«الأساسية» التي تعتبر مهمة للأمن القومي. كما تم فرض قيود على الاستثمار. فقد وسعت إدارة ترامب كثيراً من سلطتها لعرقلة الاستثمارات الصينية في شركات التكنولوجيا الأميركية من خلال «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة» التي ألغت بالفعل مجموعة من الصفقات الصينية. والهدف من القيود على الاستثمار تتمثل في منع الشركات الصينية من استنساخ أو سرقة الأفكار والتكنولوجيات الأميركية. وتأمل إدارة ترامب، بعرقلتها هؤلاء المستثمرين، أن تحافظ على الهيمنة التكنولوجية الأميركية على الأقل لفترة أطول قليلا.
وفقدان زمام المبادرة في سباق التكنولوجيا العالمية يعني تحقيق أرباح أقل وتلاشي التفوق العسكري. ويعني أيضاً ضياع التأثيرات التسلسلية القوية لصناعة المعرفة التي مثلت محرك النمو الاقتصادي الأميركي في عصر ما بعد التصنيع. وباختصار، تكلفة فقدان الهيمنة في قطاع التكنولوجيا أمر لا تطيقه الولايات المتحدة. لكن حرب تجارة التكنولوجيا المتقدمة ربما تحفز الصين على تطوير أبحاثها المحلية وقدرتها على التطوير. وتحركات إدارة ترامب ضد التكنولوجيا الصينية يجب أن ينظر إليها باعتبارها الطلقات الأولى في حرب طويلة الأمد.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»