طالما تم توظيف الحيوانات في نحت مصطلحات سياسية، مثل «النمور الآسيوية» و«الدب الروسي» و«التنين الصيني» و«البطة العرجاء» و«الذئاب المنفردة» و«الحصان الأسود» و«البقرة المقدسة» و«الحمائم والصقور». فيطلق مصطلح «البطة العرجاء» على حكومة تكون قد شارفت على إنهاء مدة وجودها في السلطة، حيث تتضاءل سلطتها أو صلاحيتها وينظر إليها الناس باعتبارها تقوم بتسيير الأعمال إلى أن تتولى أخرى تم انتخابها مقاليد الحكم. لكن أصل التعبير يعود إلى وصف الرئيس الأميركي الذي تنتهي مدة ولايته في شهر نوفمبر، لكنه يجب أن يبقى في البيت الأبيض حتى يسلم السلطة إلى خلفه في شهر يناير اللاحق، وذلك في حال ما إذا كان الرئيس السابق في نهاية ولايته الثانية، أو انهزم في معركة الاحتفاظ بالرئاسة لمدة أخرى. وقد امتد الأمر وصار المصطلح يطلق على أي سياسة عاجزة عن الوصول إلى الأهداف التي رسمت لها.
ويقال «البقرة المقدسة» على مؤسسة لا تجرؤ على سؤالها أو محاسبتها، وتسلم بوجودها، وتخضع لها، بدعوى أنها تستحق الطاعة والتبجيل. ويقال «حصان أسود» على مرشح يتعامل معه منافسوه باستهانة، ويتجاهلون وجوده، ظانين أنه معدوم القدرة على المنافسة، وليس لديه أي فرص في الفوز، لكنه يفاجئ الجميع، ويحقق مكاسب لافتة. و«حمل الأضحية»، هو مرشح يدفعه حزبه أو قوى سياسية أو اجتماعية أو غيرها لمنصب ما، دون أن تكون له أي فرص للفوز به. ويطلق اسم «متعقب الخيول» على مرشح متصوَّر يدافع عن خصومه ويوحدهم عادة داخل حزب سياسي واحد.
أما «التنين» الذي يطلق على الصين، فهو حيوان خرافي له رأس الجمل، وآذان البقر، وقرون غزال، ورقبة ثعبان، وبطن سمك صدفي، ومخالب صقر، وباطن قدم نمر، وحراشف سمك الشبوط كثيف القشور وعين متخيلة لشيطان. ويحتل التنين مكانة عميقة في وجدان الصينيين وثقافتهم ونفوسهم، وله موقعه المتقدم في آدابهم وفنونهم وعمرانهم، وصار اسمه ملازما للصين كقوة عالمية كبرى في الأدبيات السياسية والاقتصادية التي تكتب بمختلف اللغات، حيث تحال كل الصفات الملتصقة بهذا الحيوان الخرافي إلى الدولة الصينية، في استعارة مشبعة بالدلالات.
ويقال «الدب الروسي» وهو وصف لا يقف عند حد نسب إو إسناد الاتحاد الروسي إلى أشهر حيوان موجود على الأرض الروسية فقط، بل أيضا يرمز بالدب هنا إلى القوة، نظرا لأن الدببة التي تعيش هناك تتميز بالضخامة وحدة الأنياب والشراشة والقدرة على صيد الفرائس في سهولة. وقد أريد من هذه التسمية، لدى البعض، وصم الدولة الروسية بـ«العدوانية» و«التسلط» و«البطش».
وأطلق اسم «النمور الآسيوية» على مجموعة من بلدان آسيا، حققت مستويات لافتة من النمو الاقتصادي، وتبنت برامج تنموية في إطار «اقتصاد السوق»، وتضم هذه الدول نموراً بالغة هي هونج كونج واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، وأخرى عُدت من الأشبال وهي إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والصين. وقبل هذا كان لفظ نمر يطلق على الولايات المتحدة الأميركية في بعض الأدبيات إبان الحرب الباردة، وقد أراد السوفييت التقليل من قوته فوصفوه وقتها بأنه «نمر من ورق».
وربما لم يُصنع اصطلاح مجازي في تاريخ الإرهاب أكثر دلالة من «الذئاب المنفردة»، والذي قُصد به، مع الطور الأخير من الإرهابيين، قيام أفراد متأثرين بأفكار تنظيم «داعش» أو منتمين إليه سراً بعمليات إرهابية متفرقة في بعض الدول، ثم الإعلان عن أنفسهم، أو التكتم وترك هذه المهمة لإعلام التنظيم، الذي يُسند هذه الحوادث أو ينسبها إلى نفسه، في إطار سعيه إلى تعظيم قوته، لإغراء آخرين بالانضمام إليه، أو الكيد لخصومه والضغط عليهم، أو السير خطوات نحو هدفه.
أما «الحمائم والصقور»، فتعبير مستعار من عالم الطير، يصف المعتدلين بأنهم «حمائم»، والمتشددين بأنهم «صقور»، ليصور لنا الفريق الأول على أن له ما للحمام من طيب ووداعة ولين عريكة، بينما يظهر الفريق الثاني على أنه جارح منقض لا يقبل أنصاف الحلول. ويعود استعمال هذا التركيب إلى أيام الحرب الباردة، حيث وجدنا فريقين من الساسة الأميركيين في موقفهم من الطريقة المثلى للتعامل مع الاتحاد السوفييتي المنهار، الأول يفضل استعمال القوة، والثاني يفضل المسالمة والمصالحة. وقد شاع استعمال الاصطلاح في وصف سياسات دول عديدة، قد يكون فيها مثل هذا الانقسام حقيقياً، ويمكن أن يكون مجرد نوع من توزيع أدوار.