تحتفل الإمارات اليوم بيومها الوطني السابع والأربعين، وكسفير للولايات المتحدة الأميركية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة التي امتدت من عام 1992 إلى 1995، حظيت أيّما حظوة بمعرفة رئيس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه). وأتذكر كيف كان لقاؤه منفرداً أو بصحبة أي مسؤول أميركي رفيع المستوى من واشنطن. فقد كان رجلاً عظيماً، وقد شاهدت بعضاً من أعظم الأمور التي فعلها لبلاده وللعالم بأسره.
وقد تأثرت كثيراً بأن أحد أعظم إنجازات الشيخ زايد في عام 1971 عند الاستقلال كان جمع الإمارات السبع المختلفة في اتحاد واحد قوي ظل راسخاً. ومن أوجه شتى كانت كل إمارة مختلفة عن الأخرى، وقد كانت لدى الشيخ زايد حكمة إدراك أن كلاً منها قد رغبت في الاحتفاظ بعناصر شخصيتها واستقلاليتها. لذا فقد قاد الدولة بطريقة تجعل الاتحاد ملتحماً لا ينفكّ أبداً. وعلى رغم من أن إمارة أبوظبي كانت الأكثر ثراء في ضوء ثرواتها الطبيعية، لكنه كان سخياً في مساعدة الإمارات الأخرى ذات الموارد القليلة. وقد أدرك الجميع في الدولة حكمة ورشد قيادته. ولم يتم فحسب انتخابه رئيساً للبلاد في بداية قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن تم انتخابه مرة تلو الأخرى من عام 1971 وحتى رحيله في عام 2004. ومما أعجبني وأثّر في أن شعب دولة الإمارات العربية المتحدة كانوا ينظرون جميعاً إلى الشيخ زايد (طيب الله ثراه) على أنه زعيمهم.
وقد أدرك الشيخ زايد في عام 1971 أن فكرة الاتحاد الفيدرالي، وليس الحكومة المركزية، هي الطريقة المثلى الملائمة للحفاظ على اتحاد الإمارات السبع. وشهد العالم دولاً مثل يوغوسلافيا تتفكك بسبب افتقارها إلى قيادة حكيمة مماثلة لإبقائها متحدة. وشهد العالم دولاً مركزية تتعرض لضغوط داخلية خطيرة وتواجه حروباً أهلية، لكان النظام الاتحادي الذي ابتكره الشيخ زايد سينقذها ويديم استقرارها.
وينسب للشيخ زايد الفضل أيضاً في قيادة تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، الذي جمع الإمارات مع خمس دول أخرى في المنطقة. ومرة أخرى كانت فكرته جمع كيانات مختلفة على هدف مشترك، من دون تغيير المميزات الفردية بصورة جوهرية للدول الأعضاء.
وقد كان محور اهتمام الشيخ زايد هو رفاهية شعبه، لذا حرص على تكريس ثروات البلاد في خدمة الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، ولم يعتمد على القطاع البترولي فقط، وأصرّ على تنويع الاقتصاد. وفي حين عاش الراحل العظيم شبابه في الصحراء لكن تخطيطه للتغير الاقتصادي كان بعيد النظر بما يكفي للتأهب للعالم الجديد.
وبصفتي دبلوماسياً أميركياً، كنت أثمنّ على وجه الخصوص القرارات الحكيمة التي يتخذها الشيخ زايد فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، فقد أظهر قدرة كبيرة على التفاعل مع الدول الأخرى كافة على اختلاف مشاربها، من دون المساومة أبداً على مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي عام 1991، عندما حدث غزو الكويت، أمر الشيخ زايد القوات الإماراتية بتقديم الدعم من أجل المساعدة في تحريرها من احتلال نظام صدام.
وفي عام 2001، ساندت قوات من الإمارات العربية المتحدة واشنطن عندما اتخذت إجراءً عسكرياً في أفغانستان رداً على الهجوم الإرهابي على أميركا. وفي عام 2003، عندما قامت الولايات المتحدة بعمل عسكري في العراق، ساندتنا القوات الإماراتية. وقد قدّر الأميركيون ذلك التأييد المباشر تقديراً كبيراً.
وفي الوقت الراهن، يقود الإمارات أبناء الشيخ زايد، وقادة دبي والإمارات الأخرى الذين يقتفون أثره ويتبعون المبادئ الأساسية التي رسّخها على مدار 33 عاماً كرئيس. وقد وضعوا قيد التنفيذ سياسات ناجحة لتعزيز ما بناه. والقيادة الحكيمة الحالية أبقت على قواعد التعاون في الإمارات العربية المتحدة، التي لا تزال متضافرة ومتحدة سوياً. وقد حافظوا أيضاً على تعاون دول مجلس التعاون الخليجي، ليصبح منظمة أكثر قوة.
وقد وسّع الجيل الحالي من القادة الإماراتيين اقتصاد الدولة بتوجه شديد الرشد والحكمة وهذا محل إعجاب الأميركيين. وفي الوقت الراهن تمتلك الإمارات أكثر الاقتصادات تنوّعاً في مجلس التعاون، إذ بات الاعتماد على إيرادات النفط والغاز يمثل 25 في المئة فقط. ويدفع سكان الإمارات الآن ضريبة قيمة مضافة وكذلك الشركات، بينما ينعم المواطنون الأفراد بحقيقة أنه لا توجد ضريبة على الدخل الشخصي، وهي ميزة نحسدهم عليها كأميركيين. وقد حقق الاقتصاد نمواً يزيد على 231 ضعف ما كان عليه عند التأسيس في عام 1971، بينما تمتلك الدولة أكثر بنية تحتية متطورة في الشرق الأوسط. وتحسّن التعليم في مراحله كافة، وبلغ مستوى التعليم بين الكبار إلى أكثر من 90 في المئة.
وتواصل القيادة الحالية التعاون مع الولايات المتحدة، فالشركات الأميركية تجد ترحيباً في السوق الإماراتية، وللإمارات استثمارات واسعة النطاق في الولايات المتحدة. وقد رحبت واشنطن بالمشاركة الإماراتية المباشرة في الأزمة الليبية عام 2011. وقد تعاونت القوات الجوية الإماراتية ونظيرتها الأميركية في سوريا أثناء الحرب الأهلية. وساندت القوات المسلحة الأميركية القوات الإماراتية في معاركها ضد المتمردين «الحوثيين» في اليمن. وعلاوة على ذلك، يثمن وزير الدفاع الأميركي الحالي «جيمس ماتيس» التعاون الإماراتي في المعركة ضد الإرهاب، ويعتبره محل تقدير شديد.
لذا، كدبلوماسي أميركي، أنظر إلى الفترة التي قضيتها في الإمارات وأشعر بامتنان لأنني تمكنت من معرفة الشيخ زايد (طيب الله ثراه) وقتما كان يبني الدولة. وبعد مغادرة الإمارات شاهدتها تتطور، وأثار إعجابي، مثل كثير من الأميركيين، التطورات المذهلة التي حدثت. لكن كل شيء بدأه الشيخ زايد، والسياسات الحكيمة التي وضعها تمضي على نهجه الأجيال الإماراتية التالية.
وقد قال الشيخ زايد: «إنني مثل الأب الكبير الذي يرعي أسرته، ويتعهد أولاده ويأخذ بأيديهم حتى يتجاوزوا الصعاب، ويشقوا طريقهم في الحياة بنجاح» (25 أبريل 1977). وقد اعتبر أن السلطة المنوطة به باقية ببقاء تحمل مسؤوليته كقائد يخدم شعبه.
* سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى الدولة خلال الفترة من عام 1992 إلى 1995.