هو تكريم إضافي من أهل الشهيد ودولته بعد تكريمه المقدس في نص قرآنه (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)، ودولة الإمارات خلدت اسمها في تراثيات الجهاد في سبيل الله ونصرة الشعوب المقهورة والمتطلعة لنصرة الأقوياء الأنقياء، وهذا شأن الإمارات التي لا تنادي المنظمة الدولية للتطوع في حفظ السلام في المناطق التي تعاني من الاضطراب الأمني إلا وتكون الإمارات في مقدمتها. حدث ذلك في لبنان وفي كوسوفو، ويحدث الآن في اليمن التي انفردت الإمارات بين شقيقاتها الخليجيات بدور المحرر لها واستعادتها من القبضة الشيطانية التي يضعها «الحوثيون» على رقاب اليمنيين، فجاء جيش الإمارات ليحررها قطعة قطعة، من مدينة عدن الصامدة في الغرب، إلى المكلا والغيظة في الشرق إلى مأرب والحديدة وعلى نحو بلغت الأرض المحررة قرابة 75?? من أرض اليمن.
تخليد ذكرى الشهيد الإماراتي واضحة على عدة صُعُد. وقد بدأ ذلك في تكريم ذكرى أول شهيد إماراتي في العصر الحديث، وهو سالم سهيل خميس بن زعل الدهماني ابن الإمارات من رأس الخيمة من منطقة المنيعي، الإماراتي الذي استشهد على يد الغزاة الإيرانيين يوم 30 نوفمبر 1971م وعمره لا يتجاوز العشرين عاماً في طنب الكبرى التي تحتلها إيران، هذه الجزيرة الواقعة ضمن نطاق إمارة رأس الخيمة. وقصة استبسال الدهماني معروفة لدى المواطنين، حين فضّل الموت على تسليم سلاحه رغم يقينه بأنه عُرضة للقتل على يد الغاصب الإيراني.
كان ذلك الموقف تدشيناً لبناء جيش وطني يعرف القيمة الحقيقية للتضحية في سبيل الوطن، وهو ما لمسناه في التضحيات التي قدمها جيش الإمارات فداء لوطنه، وذوداً عن أرضه وقربانا للدفاع عن المظلومين عرباً وغير عرب.
ويرتبط بمفهوم الاحتفال بيوم الشهيد العديد من الجهود التي بُذلت لبناء جيش قوي في منطقة الخليج كوعد قطعه المغفور له الشيخ زايد، ووضعه موضع التنفيذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. فمنذ اليوم الأول لتخرجه من أكاديمية سانت هيرست العسكرية في لندن، وربما من قبل ذلك عقد النية على تكوين جيش حديث يستخدم أحدث الأسلحة، ويتلقى أقوى التدريبات، وتتخرج أفواجه تباعاً من الكلية العسكرية، التي تم تأسيسها داخل الدولة خدمة لهذا المشروع. ومشاركات جيش الإمارات في المناورات الدولية تحظى باهتمام القيادة العليا، كما أنه ينال ترحيبَ وإعجاب الدول الشريكة في تلك المناورات. وللعلم، لاُيسمح «الناتو» بمشاركة أي جيش خارج الحلف باستثناء جيش الإمارات لأنه جيش دولة محل ثقة، ودولة لديها جيش محترف بمعنى الكلمة، ويفوت على بعضنا حقيقة مفادها أن جيش الإمارات جنى الكثير من الجوائز التي تمنح للجيوش المتميزة، ويكون هذا التميز على حساب جيوش دول عظمى، ذلك هو جيش الإمارات الذي لايعرفه «الحوثي»، ويكفي أنه كان العامل الحاسم في تحرير اليمن من «الحوثيين»، ويكفي أنه تمكن من تجهيز جيش كامل، الجيش الوطني اليمني الجديد في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام.
الأمر الثاني المرتبط بيوم الشهيد تلك المشاهد التي رأيناها رأي العين في ردود أفعال مواطني الدولة وبوجه خاص ردود أفعال أسر الشهداء. كلنا صادفتنا مشاهد مثيلة في دول أخرى، ورأينا هناك كيف تستقبلُ الأسر شهداءها بالنحيب والعويل والدعاء بالانتقام من المتسببين بفقدان الأحباء. وبالمقابل كلنا رأينا مشاهد الأسر الإماراتية التي تستقبل أبناءها الشهداء بعبارات الاعتزاز والفخر بانتماء الشهيد لتلك الأسر، ولاننسى مشهد الأم التي استقبلت جثمان ابنها بالزغاريد والفرحة العارمة بوجوده ضمن قائمة الأبطال الذين قدموا أنفسهم فداء للوطن الغالي.
هذه مشاهد لاتتكرر إلا في الإمارات، ولأن أهم صفات هذه الديرة الوفاء، فقد كانت القيادة وفية وضعت على عاتقها تكريم رجال التضحية وأسرهم وشعب الإمارات. فبادرت إلى تخصيص يوم الشهيد في اليوم الذي سقط فيه أول شهيد على يد القوة الإيرانية الغادرة. ومع كل عام جديد نحتفي فيه بيوم الشهيد، تضيف القيادة الوفية تكريماً جديداً للشهيد عرفاناً بالدور الوطني الذي يقدمه شبابنا دفاعاً عن علم الإمارات ليرفرف خفاقاً عاليا بإذن الله.
التاريخ هو الشاهد، وهو الذي يقول الكلمة الأخيرة تصحيحاً للغط الذي يدور على ألسنة المغرضين، التاريخ سيذكر سمات الأمانة والصدق والمحبة الوفاء التي ميّزت سلوكيات قيادة الإمارات من عصر زايد إلى يوم الحساب.