بعد التدخين، تعتبر السمنة أهم عوامل الخطر خلف زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. ففي بريطانيا مثلاً، تعتبر السمنة مسؤولةً عن واحدة من كل عشرين حالة إصابة بالسرطان، وهو ما يترجم إلى حوالي 23 ألف حالة إصابة بالسرطان سنوياً في بريطانيا وحدها. ويزداد حجم هذا الخطر، كلّما ازداد الوزن الزائد، وكلما طال الوقت الذي كان فيه الشخص يعاني زيادة الوزن ومن السمنة.
وتتنوع وتتعدد أنواع الأمراض السرطانية المرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، حيث يبلغ عددها حالياً 13 نوعاً مختلفاً، ويتم ترتيبها على حسب قوة هذه العلاقة كالتالي: سرطان الثدي بين النساء اللاتي تخطين سن اليأس، ثم سرطان الأمعاء، ثم سرطان الرحم، ثم سرطان المريء، ثم سرطان البنكرياس، ثم سرطان الكليتين، ثم سرطان الكبد، ثم سرطان المعدة، ثم سرطان الحوصلة المرارية، ثم سرطان المبيضين، ثم سرطان الغدة الدرقية، ثم أحد أنواع سرطان خلايا الدم، ثم أحد أنواع سرطان خلايا المخ.
وحتى الآن، ليس من الواضح أو المفهوم بشكل كامل، طبيعة هذه العلاقة أو ميكانيزمات جوانبها المختلفة، وإنْ كان العلماء يفسرون هذه العلاقة على أنها ربما تكون نتيجة إرسال الخلايا الدهنية لإشارات كيميائية وهرمونية إلى بقية خلايا الجسم، تؤدي إلى تلف هذه الخلايا وتحولها إلى خلايا سرطانية، يزداد عددها خارج النطاق الطبيعي، وتنتشر إلى بقية أجزاء الجسم.
ومع استمرار الأبحاث العلمية في هذا المجال، يأمل العلماء أن يزداد فهمنا لجوانب وطبيعة هذه العلاقة، وهو الهدف الذي ربما اقتربت من تحقيقه دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في علم المناعة (Nature Immunology)، أجراها علماء جامعة «ترنيتي» بمدينة «دبلن» في إيرلندا. وقد أظهرت هذه الدراسة أن السمنة، وما ينتج عنها من تراكم للدهون داخل الخلايا، تؤدي إلى انسداد وتعطيل الخلايا المتخصصة ضمن جهاز المناعة، وهي الخلايا المسؤولة عن التعرف على الخلايا السرطانية في المراحل المبكرة، ومن ثم تدميرها والقضاء عليها.
وحالياً تحتل الأمراض السرطانية المرتبةَ الثانية على قائمة أهم أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري.
ووفقاً لتقرير صادر عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، يشهد العالم زيادة مطردة في عدد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، وفي عدد الضحايا والوفيات الناتجة عن هذه الأمراض.
وعلى صعيد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، ارتفع عدد الحالات من 14.1 مليون حالة سنوياً في عام 2012 إلى 18.1 مليون حالة سنوياً في وقتنا الحالي. وعلى صعيد حالات الوفيات السنوية بسبب الأمراض السرطانية، فقد ارتفع عدد الحالات من 8.2 مليون حالة وفاة عام 2012 إلى 9.6 مليون حالة وفاة في الوقت الراهن. وهو ما يعني أن واحداً من كل خمسة من الرجال، وواحدة من كل ست من النساء، سيصاب بالسرطان خلال رحلة حياته. وعلى حسب التقرير المذكور، يتسبب سرطان الرئة، وسرطان الثدي، وسرطان القولون، في ثلث حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، وفي ثلث الوفيات أيضاً.
وتترافق هذه الزيادة في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، وفي الوفيات الناتجة عنها، بزيادة مماثلة في حالات السمنة وزيادة الوزن، أصبحت توصف بالوباء العالمي.
فخلال العقود الأربعة الماضية، وبالتحديد منذ عام 1975، تضاعفت معدلات السمنة ثلاثة أضعاف، بحيث أصبح حالياً يوجد أكثر من 1.9 مليار شخص فوق سن الثامنة عشرة يعانون من زيادة الوزن، ومن بين هؤلاء يوجد أكثر من 650 مليون يعانون السمنة المفرطة.
وهو ما يعني أن 39 في المئة ممن هم فوق سن الثامنة عشر في وقتنا الحالي، يعانون زيادة الوزن، و13 في المئة من أفراد هذه الطائفة العمرية يعانون السمنة المفرطة.
وللأسف لا يقتصر وباء السمنة الحالي على البالغين فقط، حيث يقدر أن السمنة تصيب حالياً 41 مليون طفل دون سن الخامسة، كما تصيب 340 مليون آخرين بين سن الخامسة والتاسعة عشرة.
وبخلاف السمنة وعلاقتها المباشرة بثلاثة عشر نوعاً مختلفاً من الأمراض السرطانية، يُعتَقَد أيضاً أن قلة النشاط البدني وعدم ممارسة الرياضة، يزيدان من احتمالات الإصابة بالسرطان، ليس فقط من خلال تسببهما في زيادة الوزن، وإنما أيضاً من خلال تأثيرهما السلبي على جهاز المناعة، وعلى منظومة الغدد الصماء في الجسم، وما تنتجه تلك الغدد من هرمونات ذات تأثيرات بيولوجية وفسيولوجية متعددة ومتنوعة.
وإذا نظرنا إلى دور الغذاء في احتمالات الإصابة بالسرطان، فسنجد أن الجزء الأكبر من هذا الدور، ينتج من فرط التغذية (الأكل أكثر من الحاجة)، مقارنة بنقص محتوى الغذاء من الخضراوات، ومن بقية أنواع الأطعمة الصحية الأخرى.