لطالما كان موقف الهند من أفغانستان هو دعم المصالحة بقيادة أفغانية، وقد دأبت أيضاً على قول بأنه ليس هناك ما يسمى بـ«طالبان» جيدة و«طالبان» سيئة.. لكن يبدو الآن أن نيودلهي قد نأت بنفسها عن ذلك التصريح على وجه الخصوص بشأن الحركة، وهي تدرس التقارب بقدر ما تبدي «طالبان» اهتماماً واعتدالاً.
وقد شارك فريق هندي غير رسمي مكون من دبلوماسييْن اثنين سابقين في مؤتمر برعاية روسية تحت عنوان «صيغة موسكو» حول أفغانستان، والذي حضرته حركة «طالبان» الأفغانية، فيما يعتبر تغيراً طفيفاً في نهج الهند تجاه أفغانستان. وقد جمعت المحادثات مجموعة متنوعة من الحكومات، شملت باكستان وجمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق. وأرسلت الولايات المتحدة أيضاً أحد دبلوماسييها كمراقب. ورغم أن أفغانستان أرسلت ممثلين عن «مجلس السلام الأعلى»، فإن حكومتها صرحت بأن أعضاء المجلس لم يحضروا بصفة رسمية كممثلين عن الحكومة الأفغانية.
وتأتي جهود التواصل مع «طالبان» في خضم محاولات متعددة لدفع الحركة المتمردة إلى الجلوس على مائدة المفاوضات من أجل التوصل إلى سلام دائم في أفغانستان. وقد حضر وفد «طالبان»، الذي قاده «شير محمد عباس ستاناكزاي»، المحادثات التي رعتها موسكو وعدد من دول المنطقة. وتكوَّن وفد الهند غير الرسمي من سفيرها السابق لدى أفغانستان ومبعوثها السابق إلى باكستان. والدبلوماسيان المتقاعدان هما خبيران في شؤون المنطقة، ويشير حضورهما إلى أن الهند تراقب عن كثب التطورات في أفغانستان.
وبطريقة ما، يمنح ذلك الحضور الهندي، رغم طابعه الرسمي المخفَّف، لحركة «طالبان» شرعيةً ما، ويظهِر أن نيودلهي تدرس لعبَ دور في أية تسوية مستقبلية في أفغانستان. وعلى الرغم من أن الهند ترفض نشر جنودها في الميدان، فإنها أنفقت بالفعل أكثر من 3 مليارات دولار على بناء مدارس وطرق وسدود في أفغانستان، إضافة إلى مبنى البرلمان الأفغاني، كما انخرطت في عدد من المشاريع الأخرى في هذه البلاد التي تمزقها الحرب بطرق شتى. وبدأت نيودلهي تعاوناً أمنياً مهماً مع الحكومة الأفغانية، وإن كان محدوداً، بتقديم طائرات هيلكوبتر ورادارات إلى أفغانستان. وهي تشارك حالياً في تطوير ميناء «شاباهار» في إيران، والذي سيوفر طريقاً بديلاً لكابل بدلاً من مرور وارداتها من البضائع المستوردة عبر باكستان التي يساورها القلق من الانخراط الهندي في أفغانستان.
ومن خلال هذا التعاون، تراهن الهند بشكل كبير على أفغانستان، وتحرص على متابعة التطورات التي تحدث في ملف المصالحة الداخلية، لكي لا تخسر دورها على نحو يؤثر على نفوذها هناك، وهو النفوذ الذي اكتسبته على مدى الأعوام الماضية.
وعلاوة على ذلك، فقد حثت بعضُ الدول الهندَ على لعب دور أكبر في أفغانستان، فقد طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيودلهي مؤخراً بتعزيز دورها في عملية إعادة الإعمار هناك، وهو ما يشكل تخلياً عن التخوفات السابقة للولايات المتحدة التي كثيراً ما كانت تبدي حساسيةً تجاه ردود أفعال باكستان على الدور الهندي في أفغانستان.
وبطبيعة الحال، فإن إسلام آباد تعارض أي توسع في دور الهند حيال كابول، ولطالما اعتبرت أن ذلك يمثل تحدياً لنفوذها في أفغانستان. غير أنه على رغم من أن واشنطن لم تشجع الهند علانيةً في السابق، فإنها ترغب أن تلعب الهند دوراً أكبر في الوقت الراهن، لاسيما في جهود إعادة الإعمار، وأن تصبح الهند قوة داعمة للاستقرار في الحرب التي تمزق هذه البلاد.
وقد كان من مصلحة الهند التدخل في أفغانستان في بعض الأحيان، ففي مايو الماضي تعرض سبعة مهندسين هنود وسائقٌ أفغاني للخطف أثناء توجههم للعمل في إقليم «باغلان» الشمالي. وفي يناير الماضي، سقط صاروخ على مجمع السفارة الهندية في كابول، مما أسفر عن بعض الأضرار المادية دون خسائر في الأرواح. وعلى رغم من ذلك، تتقدم الهند بحذر شديد في تواصلها مع حركة «طالبان». ففي الماضي، رفضت الحكومة الهندية السابقة التحدث مع الحركة، وصممت دائماً على القول بأنها ستؤيد أية عملية سلام «يقودها ويتحكم فيها الأفغان». وفي حين تحارب الولايات المتحدة حركة «طالبان» منذ أكثر من عقد، فإنها تحاول التواصل مع الحركة المتمردة، لكن لا يبدو حتى الآن أن هناك تقدماً بنّاءً في تلك الجهود.
وخلال الأسبوع الماضي، كشفت باكستان أنها أطلقت سراح زعيم بارز في «طالبان» هو «الملا عبدالغني بارادار» الشهر الماضي، وذلك بناءً على طلب من الولايات المتحدة، فيما يعتبر محاولة أخرى لتشجيع بدء محادثات سلام جديدة. لكن ليس ثمة يقين بشأن ما ستفضي إليه المبادرة الروسية. فوزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» صرح بأن الهدف من المؤتمر هو تشجيع مناخ الحوار بين الأطراف المتقاتلة في الحرب الأهلية الأفغانية. لكن ليس هناك مؤشر على أن المؤتمر قد نجح في خلق هذا المناخ الملائم للمحادثات، وإن كانت تلك المحادثات قد منحت «طالبان» نوعاً من الشرعية في إطار محاولات التوصل إلى حل سياسي في البلاد التي تئن تحت وطأة الحرب والصراع المسلح.


*رئيس مركز الدراسات الإسلامية -نيودلهي