قرابة أربعة عقود وإيران تعاني الأمرَّين من العقوبات، في الوقت ذاته التي تزداد فيها نفوذاً وتوسعاً وإصراراً في التدخل في شؤون دول المنطقة من لبنان إلى اليمن. يا تُرى ما السر؟ وما الذي يجري في العالم من حولنا تجاه هذه المعادلة الإيرانية المعضلة؟!
منذ 4 نوفمبر 2018، فرضت أميركا عقوبات مغلظة ضد نظام الملالي في إيران، بعد أن كانت من قبل مشددة ولم تفت في عضدها، أما الآن فينبغي أن يرى الكل شيئاً من آثارها سراعاً. طوال السنوات الأربعين الماضية لم يتضرر النظام من تلك العقوبات قيد أنملة، بل زاد من قبضته الثورية وربط مصير الاقتصاد بالحرس الثوري الذي بيده مفاصل الدولة الفعلية التي يديرها قاسم سليماني في الداخل والخارج.
فالنظام برأسه يعترف باكتسابه خبرة عميقة في الالتفاف على أي عقوبة مهما كانت قاسية وهو ما أكد عليه روحاني أن إيران «ستلتف بفخر» على العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ وتستهدف قطاعي النفط والمال الحيويين في البلاد مضيفاً، «نحن في وضع حرب اقتصادية ونواجه قوة متغطرسة، لا أعتقد أنه في تاريخ أميركا دخل شخص إلى البيت الأبيض وهو يخالف إلى هذا الحد القانون والاتفاقيات الدولية».
والإشكالية الرئيسة في هذا النظام تكمن في توسعه القسري بالسلاح الطائفي، وهي التي لم يحد منها سلاح العقوبات أو يقلص من حركتها. المتضرر الوحيد من هذه العقوبات في السابق واللاحق هو الشعب الإيراني الذي هبطت قوته الشرائية إلى درجة أنه إذا أراد البعض أن يؤسس تجارة صغيرة أو متوسطة، فإن استطاع أن يدفع الإيجار، فإنه لا يتمكن من شراء المعدات، وإذا مرض فلا يملك القدرة على دفع أجرة الطبيب، فضلاً عن شراء الدواء. أما الملالي فيبعثرون الأموال الإيرانية في حارات العراق الضيقة وبالدولار الأميركي، بل إن وقف النفط الإيراني عن التصدير لا يمنع تدفق أموال الُخمس على المرشد وأعوانه بحكم من المذهب، الذي يعتبر فرض إخراجه أضعاف الزكاة الشرعية في الإسلام.
خلال فترة العقوبات تحولت مليارات الدولارات إلى الحسابات الخاصة بالمرشد الأعلى الذي لا تقل ثرواته عن مائة مليار دولار، أما من دونه في المرتبة فقد اغترف غرفة أو غرفتين بيده.
ويا فرحة إسرائيل بهذه العقوبات، رغم أن "الحرس الثوري" الإيراني وصل إلى حدودها. لقد أشاد نتنياهو ببدء فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، معتبراً أن ما يحصل هو «يوم تاريخي». وكان ليبرمان قد قال في وقت سابق: "إن قرار ترامب الجريء هو التغيير الجوهري الذي كان ينتظره الشرق الأوسط".
فإذا تحقق ما يصبو إليه ترامب من وراء هذه العقوبات، هنا فقط نستطيع أن نقول بأن العالم كله بانتظار إيران الدولة الطبيعية بعد أن تزيل وتمسح من دستورها أي إشارة إلى الأجندة الطائفية الخربة. فلنعر قليلا من الاهتمام لهدف ترامب حين أشار إلى النقطة التي لا يختلف عليه اثنان وهي في وصفه العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران بأنها "الأكثر صرامة" في تاريخ أميركا، وأشار إلى أن طهران بدت على وشك السيطرة على الشرق الأوسط قبل بداية عهده، لكن الأمور تغيرت مؤخراً، وقال "إذا عدتم إلى اليوم الذي سبق تسلمي للمنصب، سترون أن إيران بدت وكأنها على وشك السيطرة على الشرق الأوسط"، مضيفاً،"الآن لا أحد يتحدث عن ذلك".
ولم يجف حبر هذا القلم الإلكتروني حتى وقعت الالتفافة بسرعة، فوزارة النفط الإيرانية تقول إن إيران باعت 700 ألف برميل من النفط الخام إلى شركات من القطاع الخاص من أجل التصدير، الأحد 11/11/2018، وذلك في ثاني جولة مبيعات تستهدف الالتفاف على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على صادرات طهران، وأضافت أن ثلاث شركات لم تسمها دفعت 64.97 دولار للبرميل مقابل شحنتين من الخام حجم الواحدة 245 ألف برميل وشحنة حجمها 210 آلاف برميل، جرى تداولها على بورصة إيران للطاقة.
وقبل ذلك اعترف إيراني معتقل بالولايات المتحدة بتهمة انتهاك العقوبات ضد إيران بتهريبه تكنولوجيا نووية إلى طهران، وأكدت وزارة العدل الأميركية أن هذه العملية تمت في إطار مؤامرة أكبر تهدف بشكل غير مشروع إلى مساعدة البرنامج النووي الإيراني. فقد اعترف الإيراني المتهم أراش سبهري (38 عاماً)، بـ"دوره في مؤامرة لتصدير السلع والتكنولوجيا الخاضعة للرقابة إلى إيران، في انتهاك لقوانين وزارة التجارة الأميركية والرقابة العسكرية والعقوبات المفروضة ضد إيران". .. فهل تعي إيران حقيقة ما جنى عليها سعيُها في البحث عن النفوذ بأي ثمن، الإجابة يجب أن تأتي من خلال عقول عقلاء إيران وليس في لفائف عمائم الملالي.