إذا كان الدين المعاملة، فإن مناطه الأخلاق. هكذا سما الرسول صلى الله عليه وسلّم بالأخلاق في قوله «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، أي أن حقيقة بعثته محصورة في إتمام مكارم الأخلاق. وهو ما يُفهم منه أن أمة العرب كانت ذات أخلاق، وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليتممها.
وفي حديثنا عن «الأخلاق»، نشير إلى أهمية مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد المتمثّلة بمادة «التربية الأخلاقية» التي أطلقها سموه لرفد العملية التربوية والتعليمية بهذه المادة وإدراجها في المناهج والمقررات الدراسية. وقد نبع هذا القرار من إدراك سموه حاجةَ الأجيال الصاعدة لمثل هذه القيم التي أكد سموه مكانتَها في بناء الأمم ونهضتها ورقي الشعوب وتطورها، وأنه مهما بلغت الدول من تقدم علمي ومعرفي وتقني، فإن ديمومة بقائها مرهونة بمدى محافظتها على قيمها النبيلة وتمسكها بمبادئها السامية.
وعلى قول أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت// فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
إن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يحتضن مقيمين يتوزعون بين مئتي جنسية أو أكثر، قد تأثر بحكم الاحتكاك والتفاعل، ودخلت عليه بعض العادات التي لم تكن مألوفة لديه. وفي ضوء هذه المدخلات، نحتاج إلى إعادة شحن قيمنا الأخلاقية بأسلوب حضاري متجدد ومواكب لمسار التقدم والتطور، لملء أي ثغرات محتملة من خلال التوجيه والإرشاد الصحيح في خطب المساجد، وبالتركيز فيها بشكل متواصل على مكارم الأخلاق، وفي مقدمتها الاعتدال.
إن سيادة القيم الفاضلة في بيئة العمل، كفيلة بتيسير الأعمال وتمرير المعاملات وإنهائها بإتقان. وإيجاد مثل هذه البيئة، يتطلب تضافر جهود المجتمع والسلطات المختصة والدوائر التعليمية التي تتكفل بتدريس مادة التربية الأخلاقية لغرس القيم النبيلة في نفوس الطلاب.
إن خطب المساجد حالياً تغطي موضوعات توعوية دينية واجتماعية نافعة، فمادة «الأخلاقيات» تشكل خطوطاً إرشادية في التوجيه الأخلاقي، لوضعها في خطب الجمعة، وكي تتم مقاربتها وشرحها، مع رفدها بأمثلة من الواقع والشريعة السمحاء، وباستنباط «مقاصد الشريعة» وإنزالها على الواقع المعاش.
مطلوب من خطباء المساجد والأئمة الاضطلاع بأدوارهم في توجيه المصلين. والجميل في ديننا، أنه يغطي أموراً نحن نستصغرها، والسنة النبوية جعلتها جزءاً من الإيمان الذي ينقسم إلى اثنين وسبعين شعبةً، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وهو ما يشمل وضع الأحذية في مكانها المخصص، والتزام السائقين بقواعد السير والمرور والتوقف الصحيح. هذه ثقافة أخلاقية يمكن أن تجد طريقاً لبثها وإشاعتها في مجتمع الإمارات.
وقد يقول قائل إن هذه من صغائر الأمور، لكنها محسوبة في سلم النظام والمظهر العام، وهي مؤشر حضاري مهم. وفي هذا السياق، نوجه الشكر للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، على جهودها في إدارة المساجد، وتوحيد الأذان الذي أخفى الأصوات النشاز، فيما توحدت خطب الجمعة في تناولها موضوعات مفيدة وعصرية وذات صلة بالمجتمع، بينما يتركز عمل الهيئة على تطبيق سياسة الحكومة لدعم صلة المجتمع بالدِّين الإسلامي الحنيف والمعتدل.