تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بالقيم العالمية النبيلة وتسهم في تعميقها على المستوى الدولي. من هذا المنطلق ومن أجل ترجمة وتحليل معطيات وجذور التسامح في دولة الإمارات وآفاقه العالمية، انعقدت الأسبوع الماضي سلسلة من الفعاليات والمنتديات العلمية التخصصية التي نظمتها وزارة التسامح، ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتسامح الذي أقيم تحت شعار «على نهج زايد». وكان شعار المهرجان وما رافقته من فعاليات ومنتديات موفقاً من حيث الإشارة إلى منبع التسامح ورائد هذا النهج القائد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه. ولولا نهج زايد وإصراره منذ وقت مبكر على توطين قيم التسامح والتعاون والتعايش، لما كنا نحتفل بهذه القيم التي أصبحت من مكونات الحياة اليومية والتشريعات المعتمدة في المنظومة القانونية للإمارات.
لا شك أن انبعاث الروح الوطنية الاتحادية وتحقيق منجز الاتحاد على يدي زايد هو الذي أدى إلى ولادة الطموح في نشر الخير والتسامح على المستوى العالمي انطلاقاً من أرض الإمارات. وتلك البدايات المبكرة تمثل لنا نبراساً وتجعلنا نشعر بالفخر لأننا كنا من السباقين إلى تبني ثقافة التسامح وتطبيقها في حياتنا، منذ أن كان العالم من حولنا ولا يزال يعاني ويلات الفوضى والحروب والكراهية والفقر وانعدام التعايش الإيجابي المثمر.
ومن خلال التسامح كأسلوب حياة وقوانين حضارية استثنائية، قدمنا دروساً للعالم في التعايش بين أكثر من 200 جنسية، يقيم أفرادها على أرض الإمارات، ويعيشون حياتهم وثقافاتهم المتعددة بتعاون وتسامح فريد من نوعه، مما يسهم في توفير مناخات مثالية جاذبة للاستثمار والتنمية والنهوض. وهو أمر جعل من دولة الإمارات وجهة مفضلة للإقامة والسياحة وإطلاق المشروعات وتدشين الابتكارات.
وإلى ذلك، ثمة أيضاً البنية القانونية والتشريعية والممارسات الاجتماعية الراقية التي انبثقت من قيم وتاريخ الإمارات العريق، مما يمثل لنا ولأجيالنا المستقبلية كنزاً حضارياً لا ينضب، وبخاصة أن القيم الحضارية المتوارثة من الأجداد تضمن المزيد من ترسيخ مبادئ وسلوكيات التسامح وعوامل الاستقرار والنهوض، مما يحفز على العمل بدأب ونشاط في سبيل إرساء التنمية المستدامة للموارد، وأيضاً الحفاظ على أسس وقواعد الفكر المستنير.
إن التسامح في الإمارات كما نلمسه ونعايشه ليس مجرد تنظيرات ولا أوراق عمل يتم طرحها في المنتديات، بل هو أسلوب حياة وثقافة متجذرة. وللإمارات ريادة عالمية في هذا المجال الإنساني الحيوي. فنتيجة لغياب التسامح في كثير من البلدان، ينهار استقرار وأمن الشعوب وتحضر الفوضى والكراهية، وتعجز الحكومات عن إدارة مواردها وخدمة مواطنيها. لكن الإمارات استطاعت، بفضل منظومة القيم الحضارية والتنافسية العالية، أن تحقق المراتب الأولى في مختلف المجالات، بما فيها مؤشرات السعادة وجاذبية البيئة الاجتماعية وميولها الفطرية الأصيلة نحو التسامح والتعاطي الإيجابي مع ثقافات الشعوب وعاداتها.
إن التسامح الذي نعتز به في الإمارات يمتلك جذوراً تاريخية إلى جانب امتداده الحديث في الوعي والممارسة في أوساط المواطنين والمقيمين. وكان انفتاح سكان الإمارات منذ القدم وصلاتهم بالعالم طوال الحقب الماضية من العوامل التي أسهمت في جعل التسامح سمة أصيلة في الثقافة والسلوك العام. كما أن أرض الإمارات كانت ولا تزال على صلة دائمة بحركة التجارة العالمية والاحتكاك بالتنوع البشري والثقافات المتعددة، مما يجعل التسامح والتعايش سلوكاً فطرياً يمارسه الإماراتيون في الحياة اليومية كأسلوب حضاري أصيل وراسخ.
على هذه الخلفية الحضارية تفاعل الجمهور خلال الأيام الماضية مع نحو 100 فعالية ضمن برنامج المهرجان الوطني للتسامح. وتتويجاً لأنشطة المهرجان وإكسابه الروح العلمية، مثلت فعاليات منتدى التسامح قيمة إضافية للمهرجان، ومن شأن البحوث المقدمة للمنتدى أن تسهم في بلورة أفكار وخطوات في اتجاه دعم مبادئ التسامح والتعايش، إقليمياً ودولياً، في ظل تفشي الأزمات وتأجيج الصراعات من قبل قوى ومنظومات متطرفة تسير عكس حلم الإنسان المعاصر بترسيخ السلام والتعايش.
ويكفينا في الإمارات أننا نقدم صورة حضارية مشرقة ونعمل على تعزيز قيم التعايش والقبول بالاختلاف، بينما يتجه الآخرون من حولنا نحو صناعة الأزمات المعقدة والفتن الطائفية. لذلك ندرك نعمة الاستقرار في ظل القيادة الحكيمة، ونعتز بأن الإمارات منارة للتسامح على مستوى العالم.