تهدف استراتيجية إدارة ترامب الخاصة بإيران إلى إرغام الحكومة الإيرانية على الخضوع للولايات المتحدة وتغيير سلوكها عبر الضغط على ماليتها، غير أن العيب الكبير في هذا المخطط هو تعويله على بلدان مثل الصين للتعاون. والحال أن بكين تستفيد من الوضع الحالي بين واشنطن وطهران وتجني أموالاً طائلة من وراء ذلك.
فيوم الاثنين، أعادت الولايات المتحدة فرض حزمة من العقوبات على إيران، تشمل تدابير ترمي إلى معاقبة أي شركة دولية تتعامل مع النفط الإيراني. وتتمثل الفكرة، وفق وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو»، في تقليص صادرات إيران النفطية إلى الصفر في نهاية المطاف. ولكن «بومبيو» قرر منح إعفاءات لثمانية بلدان للستة أشهر المقبلة، بما في ذلك المستورد الأول للنفط الإيراني – الصين.
وفي اتصال هاتفي يوم الجمعة الماضي، قال «بومبيو» إن الإعفاءات ضرورية قصد منح بعض البلدان «بضعة أشهر للوصول إلى الصفر». وقال «بومبيو» إنه واثق من أن العقوبات، إلى جانب بقية الاستراتيجية الأميركية الخاصة بإيران، ستُقنع النظام الإيراني على تغيير أسلوبه والعودة إلى الطاولة من أجل التفاوض حول اتفاق نووي أفضل من الاتفاق الذي انسحب منه ترامب في وقت سابق من هذا العام.
غير أن «الصقور» في الكونجرس يرون أن هذه الإعفاءات تُضعف الهدف المعلَن المتمثل في «حد أقصى من الضغط». وفي هذا الصدد، قال السيناتور ماركو روبيو (الجمهوري عن ولاية فلوريدا): «إن الإعفاءات التي تُمنح لمشترين رئيسيين للنفط الإيراني، وخاصة الصين وعلى نحو مثير للقلق، تتيح لإيران استراحة مالية، وينبغي إلغاؤها في أقرب وقت ممكن».
مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية طافوا العالم مؤخراً في مسعى لإقناع بلدان مثل الصين بالانضمام إلى العقوبات الأميركية الجديدة، حتى وإن لم تكن راضية عن قرار الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وتُعتبر تفاصيل التزامات الصين الفعلية تجاه الولايات المتحدة سرية، ولكن ثمة بعض المؤشرات على أن بكين تتعاون، إذ قلصت شركات النفط الصينية المملوكة للدولة وارداتها من النفط الإيراني من نحو 800 ألف برميل في اليوم إلى نحو 500 ألف برميل في اليوم في سبتمبر الماضي، وفق بعض التقديرات.
ولكن مسؤولين صينيين أعلنوا ألا نية لديهم في تلبية مطالب واشنطن بالتوقف عن استيراد النفط الإيراني بشكل كلي. واتخذت شركات صينية إجراءات للحفاظ على تدفق النفط الإيراني بعد دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ. وعلى سبيل المثال، شرعت بعض الشركات الصينية في استخدام ناقلات إيرانية لإيصال النفط قصد الالتفاف على العقوبات وتقليل خطرها.
وفضلاً عن ذلك، حصلت الشركات الصينية على تخفيضات كبيرة على النفط الإيراني، لأن طهران توجد في وضع صعب. ذلك أن إيران لا تريد فقدان التجارة الصينية لصالح السعودية، التي تدق أيضاً على باب الصين بأسعار مخفضة للنفط. ولكن تلك ليست الطريقة الوحيدة التي تستفيد بها الصين من العقوبات الأميركية.
ولئن كان صحيحاً أن بنك «كونلون» الصيني سيتوقف عن التعامل مع المدفوعات إلى إيران، فذلك لأنه تحت نظام العقوبات الأميركية الجديدة، ستبقي بكين على مال إيران في «حساب ضمان معلق» في الصين. مال لا يمكن استخدامه، حسب القانون الأميركي، إلا لشراء سلع لا تشملها العقوبات داخل الصين – وهي مزيّة مالية أخرى للشركات الصينية.
وفي هذا السياق، يقول مارك دوبوفيتز، المدير التنفيذي لـ«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن: «إن إيران باتت تحت رحمة الصين»، مضيفاً: «والعقوبات الأميركية تعني أن بكين تستطيع إرغام إيران على منحها تخفيضات على النفط الإيراني الذي تشتريه، بينما تبيع سلعاً صينية لطهران بأسعار مرتفعة تُدفع من صناديق النفط الإيراني المقيدة الموجودة في حسابات ضمان معلقة في البنوك الصينية».
في الكثير من الحالات، يتعلق الأمر بسلع صينية لا تريدها إيران في الواقع، يقول دوبوفيتز. ولكن لأن الشركات الأوروبية أخذت تُقلص تعاملاتها النفطية مع إيران بالفعل، فإن إيران ستصبح معتمدة بشكل متزايد على السوق الصينية، وبالتالي أكثر ضعفاً إزاء التكتيكات الصينية.
بيد أن حقيقة أن الصين تستغل استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران لجني المال ليست تجارة ذكية من جانب الصينيين فحسب، ولكنها تُضعف أيضاً استراتيجية ترامب تجاه إيران بشكل مهم. إذ تعمل بكين على زيادة نفوذها بينما تقاوم حرباً تجارية جلبتها إدارة ترامب. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن لدى الرئيس الصيني شي جينبينغ الآن طريقة أخرى للقول إن الصين هي القوة الاقتصادية العالمية المسؤولة، بينما تتبع واشنطن سياسة أحادية ومدمرة.
والأهم من ذلك هو أن أعمال الصين تكشف حقيقة أن فريق ترامب لا يملك خطة في الواقع لقطع صادرات النفط الإيرانية بشكل كامل. وإعفاءات اليوم الممنوحة للصين من المحتمل أن تكون ضرورية من جديد بعد ستة أشهر فقط. وهذا هو ربع الوقت الذي قد تحتاجه طهران إلى حين انتهاء ولاية إدارة ترامب. وعليه، فإن مخطط ترامب لبلوغ «الحد الأقصى من الضغط» بات الآن معتمداً على الصين إلى حد كبير، وبكين لن تتعاون – أو على الأقل، تعاونها لن يكون بالمجان.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»