عندما تركت منصبي كمستشار اقتصادي في البيت الأبيض، تكّرم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالتقاط صورة وداع مع عائلتي. وفي ذلك التوقيت، كانت أسعار الغاز عند مستويات مرتفعة، وكنت أتناقش أنا وزوجتي حول لوم «الجمهوريين» للرئيس بشأن هذا الارتفاع. فسألت ابنتي التي كانت تبلغ من العمر 11 عاماً، (وهو بالطبع سؤال منطقي من «الطفلة الخبيرة في الاقتصاد السياسي»): «لماذا يُلام الرئيس على ارتفاع أسعار الغاز؟».
فقلت: إنه سؤال مهم.. اسأليه بنفسك! وهو ما فعلته، الأمر الذي جعل أوباما يضحك، وأظن أنه كان يحب التفاعل مع الأطفال آنذاك، وأجاب إجابة مقتضبة: «ليتني كنت أعلم!».
لكن الرئيس ترامب يخالجه شعور مختلف حول هذا الأمر، على الأقل عندما تتراجع أسعار النفط، كما حدث مؤخراً. فبحلول نهاية الأسبوع الماضي، اتخذت أسعار النفط اتجاهاً نزولياً للتراجع بنحو 20 في المئة، واستمر التراجع لنحو عشرة أيام متتالية، إذ سجلت الأسعار أسوأ موجة انخفاض منذ عام 1984.
غير أن ترامب نسب الفضل لنفسه، وقال الأسبوع الماضي: «أنا من يدفعها إلى الهبوط!».
وبالطبع، جانب الرئيس الصواب في هذا الأمر، إذ أن أسعار النفط يتم تحديدها في الأسواق العالمية وفقاً لقرارات التكتلات وقوى السوق. والتراجع الأخير في الأسواق يرجع إلى زيادة المعروض مع إقبال كل من المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة على ضخ كميات شبه قياسية. غير أن الرئيس ترامب كان يشير إلى الإعفاءات من العقوبات التي منحتها أميركا إلى 8 دول تستورد النفط من إيران، لكن لا يبدو أن هذه الخطوة قد سرّعت من الاتجاه النزولي لأسعار النفط.
ومن منظور اقتصادي، فإن هذا الانخفاض في أسعار النفط يعتبر «نعمة ونقمة» في الوقت ذاته. لأنه كلما قلت الأموال التي يتم إنفاقها على وقود السيارات يزيد الإنفاق على أمور أخرى، ومن ثم يؤدي تراجع أسعار النفط إلى نمو اقتصادي أسرع.
غير أن ذلك الارتباط تراجع بصورة ما، مع إنتاجنا مزيدا من النفط على الصعيد المحلي. والآن، عندما يتراجع سعر برميل النفط إلى ما دون المستوى السعري المربح، فإن الإنتاج المحلي يتوقف، ما يؤدي إلى «فنزويلات» صغيرة في المناطق المنتجة للنفط في أميركا مثل أجزاء من تكساس وداكوتا، التي يعتمد الوضع الاقتصادي فيها على سعر النفط.
وعلاوة على ذلك، يعني تراجع أسعار النفط أن أسعار الطاقة تكون شديدة الانخفاض في ضوء تأثيراتها البيئية السلبية. وهو ما يعني أن التكلفة السوقية تكون أدنى من التكلفة الاجتماعية. لكن على رغم من ذلك، قد يكون ترامب بصدد شيء من الممكن أن يصبح، إذا ما ظلت أسعار النفط منخفضة، صفقة اقتصادية كبرى خلال الأشهر المقبلة: فتكلفة الطاقة في الوقت الراهن عامل مهم في النمو الحقيقي للأجور، وهو ما يعني أن الأجور الحقيقية يمكن أن تبدأ في تحقيق بعض المكاسب. وكانت المرة الأخيرة التي سجلت فيها الأجور الحقيقة نمواً قوياً في تسعينيات القرن الماضي.
فماذا يضيرنا إذن من تراجع أسعار النفط إلى 60 دولاراً للبرميل؟
الحقيقة هي أنه «يُذيب الكوكب!». والمقصود من هذه المبالغة هو جذب انتباهكم، لكن الحقيقة هي أن انخفاض أسعار النفط لا يتسق تماماً مع النمو المستدام. ويتمخض عن ذلك في الحقيقة: فرصة سياسية وأزمة كامنة، كتلك التي تتشكل بفعل التأثيرات المتسارعة لارتفاع درجة حرارة الأرض بما في ذلك تكرار العواصف العاتية بوتيرة متزايدة!
ورغم ذلك، كانت نتائج انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس الأميركي متباينة بشأن اتخاذ موقف حيال هذه القضية، فمجلس النواب وحكام الولايات والمجالس التشريعية على مستوى الولايات لديها الآن مزيد من صناع السياسات الذين يساورهم قلق حقيقي تجاه التغير المناخي. غير أن ذلك لا يعني أن فكرة فرض ضريبة كربون على المستوى المحلي أصبحت في المتناول، وإنما يعني أنه من الممكن بدء مناقشة سياسية أكثر منطقية حول الخطوات والإجراءات التي يمكن القيام بها.
فعلى سبيل المثال، لطالما زعمت أننا نحتاج زيادة الضريبة الفيدرالية على الوقود، والتي هي في الحقيقة ضريبة على الكربون. والأسطول الأميركي أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وبالطبع، ارتفعت أسعار الوقود لتصل إلى 18.4 سنت للجالون منذ عام 1993، والتي كانت المرة الأخيرة التي تم فيها زيادة الضريبة. وعلاوة على ذلك، هناك على الأقل بعض التأييد من كلا الحزبين للفكرة. وأراهن أن الأميركيين لا يعلمون أن غرفة التجارة الأميركية تؤيد زيادة ضريبة الوقود إلى 25 سنتاً.
وستكون الضريبة طريقة ذكية لتمويل برنامج البنية التحتية، الذي أعتقد أن «الديمقراطيين» في مجلس النواب سيطرحوه قريباً، وإذا استمر الاتجاه الحالي، فليس ثمة وقت أفضل لفرض الضريبة من وقت تراجع أسعار النفط والغاز.
وأما فيما يتعلق بالجوانب الصعبة للضريبة، في ضوء أنها تؤثر بشدة على ذوي الدخل المحدود، ناهيك عن تأثيرات الأجور التي أشرت إليها، فلا شك أن هذه المشكلة ستصاحب أية ضريبة على الكربون، لكن هذه المشكلة يمكن حلها برد بعض الإيرادات التي يتم تحقيقها من الضريبة إلى الأسر محدودة الدخل، وهو ما من شأنه المساعدة في الحد من أية تأثيرات سلبية على الأجور.
*كبير المستشارين الاقتصاديين لنائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وباحث رفيع المستوى لدى مركز أولويات السياسة والموازنة
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»