كل انتخابات أميركية تخلق حالة تذمر شديدة بشأن التأثير غير المتناسب لأشخاص ناشطين نسبياً يشاركون في التصويت. وهذا تزايد في عهد دونالد ترامب و«بريكسيت» وصعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا. ودأب بعض الأشخاص على الإشارة إلى أستراليا التي بها التصويت إلزامي ويجري فيها تغريم المتقاعسين باعتباره حلاً. ويتساءل هؤلاء الأشخاص: ألم يدفع هذا الأفراد المتزنين والوسطين إلى المشاركة في الانتخابات الذين لولا إلزامية التصويت لما شاركوا؟ ألم يحقق كل شخص نتيجة لهذا المثال الاقتصادي والسياسي دون حالات ركود أو خلل وظيفي شعبوي أو تأزم تشريعي؟
لكن هذا للأسف محض وهم. فالنظام السياسي الأسترالي القائم على حزبين يتعرض لضغط كبير. وأحزاب الأقليات والهوامش تجتذب المزيد من التأييد وبعضها يتحدث عن المظالم الثقافية ويعارض العولمة. وهناك أيضاً انقسام يتسع بين رؤية سكان الريف وسكان الحضر للعالم. وأستراليا ليست البلد الوحيد الذي به نظام تصويت إلزامي. فهناك البرازيل أيضاً التي لها تاريخ من الحكم العسكري وانتخبت لتوها رئيساً ذا توجهات يمينية هو «جايير بولسونارو». فلا يوجد مثال يحتذى هنا.
والتصويت الإلزامي قد يحجب التوجهات المثيرة للقلق لكنه لا يقضي عليها. ففي الانتخابات الاتحادية في أستراليا عام 2016، حصلت أحزاب الأقلية على أصوات أكثر من أي وقت منذ الحرب العالمية الثانية. وشهدت البلاد حكومتين دون أغلبية في مجلس النواب في العقد الماضي. وحين تضطر الحكومة إلى الاعتماد على أحزاب صغيرة أو على مجموعة متفرقة من المستقلين لإقرار مشروعات القوانين تصبح إدارة البلاد عملاً شاقاً ووعراً. وعدم القدرة على تقديم طريقة حكم مميزة أو تصور قومي يحبط الناخبين.
صحيح أن أستراليا لم تشهد ركوداً، لكنها عايشت خمسة رؤساء وزارة منذ عام 2007. والرخاء لا يؤدي فيما يبدو إلى توافق أكبر في الآراء. ولاحظ «جون دالي» من «معهد جراتان» الأسترالي البحثي أن دعم الأحزاب الصغيرة تصاعد أثناء الفترات التي شهدت نمواً كبيراً في الأجور. وصحيح أن ليس كل المؤثرين في الأحزاب السياسية الصغيرة حمقى. ومعظم المستقلين المؤثرين في مجلس النواب يتبنون إلى حد كبير وجهات نظر التيار العام. لكن حضورهم يعكس عدم رضا متصاعد تجاه تكتلي الحزبين الكبيرين اللذين يشبهان إلى حد كبير الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» في الولايات المتحدة.
وفي دراسة صدرت في الآونة الأخيرة بعنوان «أزمة ثقة: صعود سياسة الاحتجاج في أستراليا»، كتب «دالي» وشريكته في الدراسة «دانيالا وود» أن جماعات الهامش ليس لديها خطاب متماسك بشأن الاقتصاد أو عدم المساواة وهي القضايا التي يشار إليها عادةً باعتبارها مصدر دعم هذه الجماعات. وإذا كان هناك أي فكرة مشتركة لديها فهي عقلية «تجفيف المستنقع»! والشعور بفقدان الهوية الثقافية دفع أيضاً إلى الانقسام بين الريف والحضر، وجعل الهجرة والتجارة أهدافاً سهلة. وباختصار، التصويت الإلزامي ليس ترياقاً سحرياً، ولم يمنع بالتأكيد الاستقطاب في أستراليا.
 
دانيال موس
صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»