دعا العاهل المغربي، الثلاثاء الماضي، الجزائرَ إلى إنشاء آلية لحوار ثنائي مباشر وصريح من أجل «تجاوز الخلافات والظروف الموضوعية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين» دون الحاجة إلى وسيط، مؤكداً أن «مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج». وأوضح في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء، أن الآلية المقترحة يمكن أن تشكل إطاراً عملياً للتفاوض حول مختلف القضايا الثنائية، كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، لاسيما بخصوص محاربة الإرهاب ومشكلة الهجرة. وأكد أن «مهمة هذه الآلية تتمثل في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بكل صراحة وموضوعية وصدق وحسن نية وبأجندة مفتوحة ودون شروط أو استثناءات»، وأن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر.
وقد نزلت كلمات الملك برداً وسلاماً على كل المعنيين بالتضامن العربي، فالمغرب والجزائر حجرا أساس لمغرب عربي قوي سيكون إضافة هائلة لنظام عربي يستطيع مواجهة التهديدات والمخاطر الراهنة المحدقة بالأمة العربية، لكن العلاقات بينهما منذ الاستقلال على غير ما يرام؛ تارة بفعل خلافات حدودية، كما حدث في ستينيات القرن الماضي، وتارة أخرى بسبب قضية الصحراء كما حدث اعتباراً من منتصف السبعينيات وحتى الآن. وقد تسبب الخلاف المغربي الجزائري في تجمد الاتحاد المغاربي المعلن في 1989 وكان الأمل معقوداً عليه في تحقيق وحدة المغرب العربي. وأعترف بأني في مسيرتي البحثية والمهنية لم أصادف في العلاقات العربية العربية قضية أعقد من قضية الصحراء. وأذكر للتدليل على صعوبة هذه القضية أنها الوحيدة التي لم أتمكن من طرحها للنقاش الموضوعي على طلبتي في معهد البحوث والدراسات العربية الذين ضموا عبر الزمن مئات الدارسين المغاربة والجزائريين، وكان الاستقطاب فيها فائقاً بحيث يكون خيار عدم طرحها للنقاش أصلاً هو الأسلم. والأمر نفسه ينسحب على مثقفي البلدين ومسؤوليهم. ومن هنا كانت الفرحة بمبادرة العاهل المغربي لعلها تكون فاتحة خير خاصة وقد أكد انفتاح المغرب على كل الاقتراحات والمبادرات الجزائرية بهذا الخصوص.
غير أن عالم السياسة الواقعية أكثر تعقيداً بكثير من عالم الآمال الوردية، ومع ذلك فالمرء لا يمكنه أن يتخلى عن الأمل في أن تكون مبادرة العاهل المغربي أقلّه بمثابة حجر يُلقى في مياه العلاقات المغربية الجزائرية، خاصة وقد أجمع المحللون الجزائريون على أن لهجة المبادرة كانت ودية، ولعلها تكون الخطوة الأولى في رحلة شاقة لم تبدأ أصلاً بسبب التعارض بين مواقف الأطراف التي يفترض أن تكون أكثر تقارباً.