انضم الرئيس دونالد ترامب إلى مجموعة تضم ما يربو على 60 من رؤساء وقادة الدول في فرنسا أمس، من أجل الاحتفال بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى. ولا تزال الحرب تعيش في المخيلة الغربية كصراع شنيع (ويزعم البعض أنه كان بلا داعي)، أدى إلى قتل الملايين، وحوّل أراضي أوروبا إلى أماكن مقفرة، ودمر إمبراطوريات ومهّد الطريق أمام حرب أكثر دموية بعد جيل لاحق. ولا تزال ذكرى ذلك الصراع وإرثه تقدمان دروساً مهمة حتى الآن.
وفي إطار استضافته لمراسم الاحتفال، يأمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إحراز نقطة سياسية. فالحرب العالمية الأولى كانت صراعاً بين عواطف قوميين عنيفين، أذكت نيرانها زمرة من النخب المتعطشة للسلطة. والآن، توجد موجة قومية متصاعدة في أوروبا، مع تحدي قادة يمينيين متطرفين في أوروبا الغربية وسياسيون غير ليبراليين في دول مثل المجر للمُثُل الليبرالية للاتحاد الأوروبي والتعاون والتعددية التي شكلت فيما مضى ضمانة لازدهاره.
لذا، يرغب ماكرون أن تكون قصة «الأحادية والصراع» رسالة تحذير للأجيال المعاصرة، وأشار مؤخراً إلى أن «نهج البقاء للأنسب» لا يحمي أي فئة من الناس ضد أي نوع من التهديد.
وبحسب «مارجريت ماكميلان» المؤرخة في جامعة «أكسفورد»، نحن في الغرب على وجه الخصوص، حالفنا الحظ، فقد عشنا لفترة طويلة جداً من السلام، والخشية من أننا نتعامل مع السلام على أنه أضحى شيئاً مضموناً، ونعتقد أنه الحالة الطبيعية للأمور. وأضافت: «لابد أن نفكر أن الحروب تحدث أحياناً، ولأسباب ليست منطقية تماماً».
لكن من المستبعد أن تجد هذه الرسالة طريقها إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فسياسته تجاه الأصدقاء أدى إلى توتر العلاقات بين الدول على ضفتي الأطلسي، وشجّع القوى المناهضة للنخب الحاكمة في أنحاء أوروبا. وتركيزه المعلن على البعد القومي وتبنيه للحمائية، بحسب النقّاد، قوّضا القيادة الأميركية للعالم، وتسببّا في شكوك حول مستقبل النظام الدولي الذي أرست الولايات المتحدة دعائمه بعد الحرب العالمية الثانية.
ويرى «آيفو دالدر»، السفير الأميركي الأسبق لدى «الناتو»، أنه في حين احتفى ترامب ونظرائه بنهاية ما يعرف بـ«الحرب الكبرى»، عليهم أن يُفكروا أيضاً في «خطأ أميركا الأكبر». وهذا الخطأ، من وجهة نظره، هو التخلي عن «مبدأ العالمية» الذي تبناه الرئيس الأميركي آنذاك «وودرو ويلسون» لصالح «الانعزالية» التي تبناها خلفاؤه ممن خاضوا الحرب. وأجندة «أميركا أولاً»، التي يتبناها ترامب، تميل كذلك إلى العودة إلى الانسحاب التاريخي، عندما خيمت الشكوك حول التشابكات الأجنبية والخوف من المهاجرين، والتي حددت السياسات المحلية في الداخل والخارج. وقد كان للربط بين هذه الأمور المتشابكة تداعيات جيوسياسية خطيرة.
ومثلما أوضح «بيتر بينارت» في مقال له نشرته دورية «ذي أتلانتيك» في بداية العام الجاري: «في عشرينيات القرن الماضي، رفض الرؤساء وراين هاردينج وكالفين كوليدج وهيربرت هوفر حشد التحالفات ومبدأ أن أميركا ينبغي أن تقدم تضحيات اقتصادية للحفاظ على النظام الجيوسياسي»، مضيفاً: «إن أولئك الرؤساء لم يجدوا فرقاً بين بريطانيا وفرنسا، الديمقراطيتين، وألمانيا، التي كانت استبدادية، وأصروا على أن تظل أميركا مستقلة عنها جميعاً، وعارضوا حلم وودرو ويلسون بأن تساعد أميركا الدول الأوروبية، المهددة بالعدوان، من خلال عصبة الأمم».
وفي عامي 1919 و1920، رفض مجلس الشيوخ الأميركي توقيع معاهدة «فيرساي» والانضمام إلى عصبة الأمم، المنظمة الدولية الجديدة التي كانت تهدف إلى الحيلولة دون وقوع الكوارث الدموية في المستقبل، وأدى الغياب الأميركي إلى وفاة المشروع في المهد.
ويعتقد «دالدر» أن السياسة الخارجية المتهورة للإدارة الأميركية الراهنة تُسرّع الدخول إلى عصر جديد من «الاضطرابات» أو ربما «العودة إلى عالم نهاية القرن التاسع عشر».. تلك الحقبة التي فجّرت الحرب العالمية الأولى.
ويقول «دادلر»: «أخشى ما أخشاه أن العودة إلى القومية والحمائية ستعمقان على الأرجح الانقسامات بين الدول، وتقوضان المبادئ والمعايير السلوكية، وتقضيان على جوهر التعاون الذي كان ركيزة أساسية للأمن والازدهار في الولايات المتحدة»، مضيفاً: «نحن نعرف كيف يبدو التنافس بين القوى الكبرى، وإلى أي شيء يؤدي!».

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»