كانت انتخابات التجديد النصفي الأميركية، الأسبوع الماضي، أسوأ انتخابات شهدتها في حياتي، وستكون لها تداعيات خطيرة. وحتى قبل بدء الكشف عن النتائج في وقت متأخر من ليل يوم الثلاثاء، كنا قد عرفنا بالفعل أن الخاسر سيكون هو الشعب الأميركي وثقافته السياسية. وسيظل الضرر الذي أحدثته تصريحات الإدارة الأميركية الراهنة معنا على مدار جيل كامل. فبينما حض المستشارون الإدارة على التركيز على الأنباء السارّة بشأن الاقتصاد أثناء الأسابيع الأخيرة قبيل الانتخابات، فقد اختارت بدلاً من ذلك توجيه رسالة الخوف، وكان هدفها «قافلة» اللاجئين القادمة شمالاً من جواتيمالا أملاً في العثور على ملاذ من العنف والفقر في وطنهم.
وكشف المراسلون الذين يغطون أخبار قافلة اللاجئين أنها تضم أمهات مع أطفالهن وصبية وفتيات في بداية سنّ المراهقة. لكن الرئيس ترامب وصفهم بـ«أفراد العصابات العنيفين الخطرين»، مع الإشارة إلى بعض «الشرق أوسطيين» بينهم، من أجل ترجيح كفة الشرور! بل وصفهم أيضاً بأنهم «غزاة»، وتم تصوير محاولتهم دخول بلادنا على أنها «عمل حربي». وهكذا أعلن الرئيس أنه بصدد إرسال قوات لحماية الحدود. وبينما واصل مبالغاته في التهديد الذي يمثله «الغزو»، فإن عدد القوات المزمع إرساله زاد من 2000 إلى 5000 ثم إلى 15000 جندي.
وعلى مدار أسابيع، جاب الرئيس البلاد، متحدثاً أمام حشد تلو الآخر لتعبئة مؤيديه من أجل التصويت للمرشحين الجمهوريين. وقد حذّر من تداعيات خطيرة إذا ما فاز الديمقراطيون، فمن الممكن أن يتم سحب الثقة منه، ومن ثم سيجتاح البلادَ مهاجرون خطرون، وسينهار الاقتصاد (رغم حقيقة أن التعافي الاقتصادي وتوفير أعداد هائلة من فرص العمل بدءا أثناء ولاية أوباما)، وسنكون أقل أمناً وستجبى ضرائب أكبر. وإلى ذلك، لو فاز الديمقراطيون، فسيتصرفون بعنف ضد من يعارضونهم. وكانت الرسالة الأساسية دائماً هي: الخوف.
ولتأكيد هذه الرسالة في الداخل، أنتج فريق ترامب إعلاناً تلفزيونياً يصور قاتلاً مداناً، يتبجح بعنف وبألفاظ نابية، وكان قد ارتكب جرائم أثناء وجوده في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية. ويتضمن الإعلان صورةً لمجموعة من مواطني أميركا اللاتينية يقتحمون سياجاً في منطقة غير معروفة. والرسالة في ذلك واضحة: «هؤلاء هم الأشخاص العنيفون الذين يرغب الديمقراطيون في السماح لهم بدخول بلادنا.. لذا، عليكم أن تخافوا خوفاً شديداً».
والمشكلة في الإعلان أن القاتل الذي صوّره كان قد تم ترحيله من قبل إدارة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، لكنه تسلل عائداً إلى البلاد واقترف جرائمه أثناء إدارة بوش الجمهوري. ورغم ذلك، لم تكن عدمُ أمانةِ الإعلان هي التي دفعت الشبكات التلفزيونية، بما فيها «فوكس نيوز» المفضلة لدى ترامب، إلى رفض بث الإعلان، وإنما دعوته العنصرية الصريحة. فقد وصفه المسؤولون التنفيذيون في وسائل الإعلام بأنه «أكثر إعلان عنصري تقدمه حملة انتخابية على الإطلاق».
وقد حققت الدعوة للخوف نجاحاً بدرجة ما، ورغم التصريحات التي أطلقها ترامب أثناء المؤتمر الصحافي عقب الانتخابات، والتي قال فيها إن الناس يحبونه، وإن الانتخابات كانت انتصاراً للنسب التاريخية، وبأن الأرقام التي تشير إليها استطلاعات الرأي بين الناخبين السود كانت كبيرة.. إلخ، فإنه قدّم ملاحظة صحيحة، وهي أن تدخله أثناء الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية أحدث اختلافاً في تعزيز انتصار مجموعة من الجمهوريين.
وحتى الجولة التي قام بها ترامب، كانت القوة الدافعة في الانتخابات تصب في صالح الديمقراطيين. لكن نجحت دعوة الخوف من اجتياح الأجانب الخطيرين ومن العنف والكارثة الاقتصادية.. وذلك على حساب نظامنا الديمقراطي.